قوله: ((وثقِّل موازيني)): بكثرة الحسنات من الأعمال الفاضلات الصالحات على السيئات، ومنها حسن الخلق؛ لأنه أثقل الأعمال في الميزان، فإن من كثرت حسناته على سيئاته فقد فاز بالسعادة الأبدية، قال اللَّه تعالى: "فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون"
قوله: ((وحقِّق إيماني)): بأن يكون ثابتاً قوياً لا شك فيه، ولا ريب، سأل ربه تعالى أجلَّ مطالب الدين الذي عليه الفلاح في الدارين.
قوله: ((وارفع درجاتي)): في الدنيا بإعلاء الثناء، والذكر الحسن، والقبول في الموعظة، وامتثال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والشفاعة، وغير ذلك، ورفع الدرجات والمنازل العالية في الآخرة.
قوله: ((وتقبَّل صلاتي)): بأن تكون مقبولة؛ لأنها رأس الإيمان وأساسه، وقبولها يستلزم قبول غيرها من العمل.
قوله: ((واغفر خطيئتي)): أي تجاوز عن كل خطيئاتي: سرّها، وعلانيتها: صغيرها، وكبيرها التي بيني وبينك، وبيني وبين عبادك؛ لأنَّ من غفر اللَّه له ذنوبه نجا من كل مرهوب، ونال كل محبوب.
قوله: ((وأسألك الدرجات العُلا من الجنة آمين)): ختم هذا الدعاء بأعظم ما يتمنَّاه كل مؤمن، وهو الجنة، بل سأل الدرجات العُلا التي فيها، وهي أعلى منازلها ورتبها، وهذا الدعاء كالتخصيص في الدعاء السابق: ((وارفع درجاتي)) من باب عطف الخاص على العام؛ لأهميّة هذا الخاص، وشدّة العناية به، وذلك أن درجات الجنة هي أعلى وأغلى الدرجات والأمنيات، وهذا تعليم لرفع الهمة في الدعاء المستلزم للإكثار من العبادة الرافعة لدرجات الآخرة.
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ, وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ, وَأَنْعِمَا" .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ، أَوْ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْــــلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: ((بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"
ثم ختم بالتأمين، ومعناه اللّهمّ استجب، والتأكيد لما سبق من الدعاء.
ولا تخفى أهمية هذه الدعوات السابقة، بما حوته من مطالب عالية، وكذلك أنها جاءت بصيغة التفضيل التي تدلّ على الخيريّة، والأفضليّة، وهذا تحقيقاً في تعظيم الرغبة، والطلب في الدعاء الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم ((إذَا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيُعَظِّمِ الرغبةَ؛ فَإِنَّه لاَ يَتَعَاظمُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ"
يتبع