والنجاة من غم الزمان ورزاياه، والفوز بالقبول من الله تبارك وتعالى، فيغسل روحه بأنوار الهداية، ويعود بعد أن أسرف في الخطايا إلى جادة الصواب، إلى أفضل النجدين وأسمى الطريقين : "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا" ، وفي هذا الشهر المبارك تتجلى رحمة الله بعباده، حيث تُفتح أبواب السماء آناء الليل وأطراف النهار تستقبل التائبين المستغفرين العائدين من أسواق الدنيا البائرة إلى جادة الحق والصواب.
والصالحون تلقوا هذه النسمات الغيبية بما تستحق من إصغاء لصوتها، ومن حركة جليلة لسيرة حميدة تترجمها أقوال الناس وأفعالهم، قال لقمان لابنه : عوِّد لسانَك : "اللهم اغفر لي " فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا ، ولقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "طوبى لمَن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا" وهنا يحور الإنسان الواعي إلى نفسه وفطرته، ويمتلكه الحنين إلى عالَم آخر يتحرَّاه المؤمن خلف آفاق الغيب، فتشرئب روحه التوَّاقة إلى وعد الله بالسعادة الأبدية التي ينالها العباد الصالحون بإيمانهم المطلق بربهم، وبكفرهم بكل أنواع الأوثان التي يعبدها الناس من دون الله : "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ”.
إن الشرك بالله سقوط بقيمة الإنسان الذي فضله الله وأكرمه، وهو باب الغضب الإلهي على هذا المشرك المسرف، الذي أغفل ما لله من عفو ومغفرة، فلو قام العبد يريد الله بصدق لمشى الله إليه برحمته وعفوه، ولو مشى العبد إلى الله بهمة وصدق لهرول إليه ربُّ العزة والجلال، فلطف الله ورحمته لا حدود لهما، فالإقبال على الله بتوبة صادقة هي بادرة التغيير في النفس، وعلى عتباتها يمحو الله ما كان من عبده و (الإسلام يهدم ما قبله) كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبالتوبة والاستغفار يشعر المسلم بالقوة، ويأمن من العناء، ويحظى بجنة الله ورضوانه وبالعز والسعادة التي ينشدها الناس في دنياهم : يقول سبحانه : “ ويزدكم قوة" ويقول عزَّ وجلَّ : "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، ويقول تعالى : "يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارا" فهل بعد هذا من خير ؟ إذن : "أفلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " .
يتبع