المسرحي رؤوف بن يغلان لـ«المغرب»: العقل الإبداعي في حاجة إلى انتفاضة كبرى !

هو فنان ينبذ الاستقرار في برجه العاجي ويهوى الارتحال بين المدن والناس فاتحا أبواب الحوار والنقاش مع كل الفئات دون استثناء وكل المستويات الثقافية دون إقصاء.

يلبس المسرحي رؤوف بن يغلان قبّعة المثقف بحرفية واحتراف وهو فعلا من المثقفين العضويين الذين يؤمنون بأنّ الفنان «نبي» في قومه عليه أن ينير أمامهم طريق الحقيقة والحرية والجمال، وأنّ الفن ليس وسيلة بل رسالة تجاه الوطن والمجتمع.
يرفع رؤوف بن يغلان شعار التمرد على كل شيء من حوله مؤمنا بأنّ العقل الإبداعي في حاجة إلى انتفاضة كبرى حتى يجوز القول بإمكانية تغيير الواقع.
هل سرقت «حوارات ثقافية» فكرة «فنان في المدينة» ؟!
في «نعبّر ولا ما نعبّرشي» نبش في أعماق الشخصية التونسية وتناقضاتها بين اليأس والأمل. وفي «حارق يتمنّى» ركب قوارب الموت لطرح ظاهرة الهجرة غير الشرعية من زوايا فكرية وثقافية. وفي «إرهابي غير ربع» حاور شاب على وشك الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية مراهنا على بقايا الإنسان فيه كذلك. هو مسرح رؤوف بن يغلان لا يلهث وراء شباك التذاكر في عروض تجارية بل هو ركح مسكون بالحيرة والسؤال في استفزاز للعقول على التفكير وتغيير الثوابت.
من خشبة المسرح إلى قلب الشارع التونسي يترجل رؤوف بن يغلان بين الناس محاورا إياهم ومحفزا لهم على التعبير والتغيير والإبداع حتى في نمط العيش وطريقة الحياة.
ومنذ أكثر من سنتين، بدأت مشاورات الفنان رؤوف بن يغلان مع وزارة الشؤون الثقافية من أجل تنفيذ مشروع «فنان في المدينة». وقد رحب الوزير السابق محمد زين العابدين بهذا المشروع الذي يقدم تصوّرا مبتكرا لمفهوم المدينة ويرسخ قيم المواطنة والحرية والتعدد...
وبعد أن تعطل المشروع بسبب الكورونا، التقى الفنان رؤوف بن يغلان مع وزيرة الشؤون الثقافية الحالية حياة قطاط القرمازي التي أبدت مساندتها لتنفيذ هذه المبادرة في مدينة الثقافة. وبعد أن استعد «بن يغلان» للانطلاق في مشروعه «فنان في المدينة» الذي يقوم على حوارات مفتوحة مع الجمهور، تم الإعلان عن إطلاق الوزارة لمبادرة «حوارات ثقافية» في مدينة الثقافة. وهو ما جعل البعض يتساءلون هل أن هذه الحوارات عملية استنساخ لمشروع «فنان في المدينة»؟ وردا على هذه التخمينات، اكتفى رؤوف بن يغلان بالقول بأنّ مشروعه تعطل لأسباب بيروقراطية لكنه سيسعى إلى تنفيذه بالتعاون مع المجتمع المدني. وفي تقديمه لمبادرته أضاف في تصريح لـ «المغرب» بالقول: «فنان في المدينة» يحاول أن يبث الحياة في مدننا التي أصبحت شبه ميتة وفاقدة للطاقة والحيوية. إنّ الثقافة لا تقتصر على تقديم برمجة الفرجة فقط من خلال عروض السينما والمسرح والموسيقى والرسم ... بل يجب أن تخلق جمهورا في حاجة حقيقية وضرورية للثقافة كما هو الشأن للمأكل والملبس... اليوم لم يعد من الممكن التعاطي مع المسألة الثقافية بنفس القوالب والطرق التي تعودنا عليها منذ عقود طويلة. بل لابد من الخروج من النمطية التي تقتصر على إمتاع الجمهور بتغيير مواصفات المتفرج. وفي مشروع «فنان في المدينة» سيكون الركح للجمهور بدل مقاعد القاعة جنبا إلى جنب مع الفنان حتى ينتقل المتفرج من وضع الجمود إلى حالة التفاعل والحركة.»
وعن خصوصية مشروع « فنان في المدينة» وغاياته، وصفه رؤوف بن يغلان بأنه « رؤية إستراتيجية يهدف من خلالها إلى تكريس ممارسات بديلة للعمل الثقافي والفعل الإبداعي. وهو «شانطي» ثقافي إبداعي يكون فيه الفنان همزة الوصل بين الواقع والمتخيّل، بين المعيش والممكن للانتقال من وضعية المواطن المتفرّج إلى المتفرّج المواطن . في هذا المشروع يمتزج فيه الطرح الفني بالواقع من خلال ورشات تكوينية تشاركية تدريبية متعددة الأشكال الفكرية المعرفيّة والتعبيرية ينتقل فيها المواطن من الخطاب الاجتماعي الوصفي والتلقائي إلى الخطاب الثقافي الإبداعي بكل مواصفاته ومستلزماته. إنه مدّ وجزر، أخذ وعطاء بين المواطن والفنّان المبدع، انتقال من التفكير إلى التعبير ومن السرد إلى النقد. في خلاصة هي عمليّة إبداعيّة كاملة الشروط ينخرط فيها المواطن ليكون شريكًا قولا وفعلًا تحت إدارة المبدع و أهل الإختصاص حتى يصبح قادرا على المساهمة في مساءلة الواقع و تقديم الإجابة المناسبة لها و طرح الحلول الملائمة. «
وقد لقي مشروع «فنان في المدينة» الإشادة والترحاب حتى إنّ المفتقد العام لمادة الفلسفة بوزارة التربية الدكتور صحبي بوقرة قدّم محاضرة بعنوان «إيتيقا مشروع فنان في المدينة». فهل يجد هذا المشروع الحظوظ الكافية حتى يتبلور على أرض الواقع؟
بعد نجاح «فنان في المدرسة»:
وزير التربية يكرّم رؤوف بن يغلان
من المقاهي إلى الثكنات، ومن الجبال إلى الأرياف، ومن المسارح إلى المدارس.... لا يهدأ رحلة رؤوف بن يغلان وهو المسافر الذي زاده فكر ولسان ليحدث الناس عن دور الفن في هزم العنف والحاجة إلى الثقافة لبناء المجتمعات الصالحة.
وكانت آخر مبادرات هذا الفنان المثقف مشروع «فنان في المدرسة» والذي يقوم على تقديم مقاربة ثقافية داخل المؤسسات التربوية قصد التفكير في ضرورة إدماج الرؤية الفنية والإبداعية كجزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح التربوي . وذلك بالانتقال من مرحلة الرغبة في الإبداع إلى مرحلة الوعي بضرورة الإبداع في تشارك وتفاعل بين التربية والفن، والتلاقي بين الفنانين والمعلمين والأساتذة حتى يتحقق شعار ومشروع «ركح في كل مدرسة» .
وفي هذا السياق يقول رؤوف بن يغلان: «كيف لمثقّف أو فنّان أن يتجاهل أحداث العنف المدرسي والظاهرة تتفشّى وتتوسّع في الكثير من جهات الجمهورية ؟ أليس هذا العنف تعبيرا صارخا عن الإنغلاق والانكماش الذين يقودان إلى التعصب والتطرّف؟ إنّ «فنان في المدرسة» هي مقاربة تؤكّد ضرورة التفاعل بين المقاربات الثقافيّة والمقاربات التربويّة في سبيل خلق توازن دائم في حياة التلميذ بين ما يتعلّمه في المدرسة وما يعيشه خارج المدرسة ، بين الأسرة العائليّة والأسرة التربويّة، بين المؤسّسة التربويّة وبيئتها الإجتماعيّة...»
وبعد جولة في عديد المدارس ، كرّم مؤخرا وزير التربية فتحي السلاّوتي الفنان رؤوف بن يغلان مثنيا على نجاح مشروع «فنان في المدرسة».
أكثر من 50 سنة قضاها رؤوف بن يغلان في ممارسة المسرح ومحاورة الركح ولا يزال يؤمن بأنّ رسالته كفنّان لم تحقق مقاصدها بعد... وأنّ الدرب أمامه لا يزال طويلا، طويلا !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115