أفلاما جريئة وشجاعة لا تخشى أمام حرية الفن لومة لائم. ورغم قسوة الصور والمشاعر في كثير من المشاهد لا تخلو أفلامه من شاعرية تنبع من نفسه الشاعرة وهو الذي يكتب قصيدة الدارجة بروح الثورة. احتفاء بنجاح فيلمه «أطياف» في المهرجانات السينمائية والقاعات التونسية، كان لـ «المغرب» مع المخرج مهدي هميلي الحوار التالي:
• هل كنت تتوقع أن يلقى فيلم «أطياف» مثل هذا النجاح وأن يكون له كل ّهذا الصدى؟
في «أطياف» سخرت كل طاقتي ووقتي وجهدي من أجل يكون الفيلم جيدا وصادقا إلى أبعد الحدود. ولأني صنعته بكثير من الرغبة والشغف والعمق فقد توقعت أن يحظى فيلم «أطياف» بإشادة النقاد وإعجاب أهل الاختصاص. فلم يفاجئني نجاح الفيلم في مهرجانات عالمية منذ عرضه في مهرجان لوكارنو السينمائي ولكني كنت متخوفا من ترويج الفيلم في المسالك التجارية. ولأن «أطياف» فيلما جريئا وصادما وموجعا لم أكن متأكدا من مدى الإقبال على مشاهدته بعد طرحه في القاعات التونسية. وقد كانت المفاجأة السارة بالنسبة لي هي النجاح الجماهيري لفيلم «أطياف».
• هل تعتبر أنّ تجربتك كمخرج كانت أكثر نضجا في «أطياف» من فيلم «تالة مون أمّور»؟
يمكنني وصف تجربتي الأولى في إخراج الأفلام الطويلة بالصعبة والفظيعة حيث قمت بتصوير فيلم «تالة مون أمور» مع جهة إنتاج تفتقر إلى الخبرة ولم تضع الإمكانات اللازمة لانجاح الفيلم . وبالرغم من أنّ «تالة مون أمور» قد لاقى بعض الاستحسان إلاّ أني لم أكن راضيا عن هذه المغامرة. لذلك فقد استجمعت كل قواي وقدراتي حتى يكون فيلمي الطويل الثاني «أطياف» يشبهني أكثر ويكون نابعا من قناعاتي ونظرتي إلى الحياة. ولأني كنت مشرفا بنفسي على إنتاج الفيلم، فقد وظفت كل الأسباب لنجاح هذا المشروع فجاءت النتائج مرضية. نعم يمكنني القول بأنّ تجربتي كمخرج كانت أكثر نضجا في «أطياف».
• فازت بطلة «أطياف» عفاف بن محمود بجائزة أحسن تمثيل في مهرجان القاهرة السينمائي، فهل تعتبر أنها كانت قوة نقطة الفيلم؟
قبل التصوير ومنذ انطلاقي في كتابة سيناريو «أطياف» كانت عفاف بن محمود في تصوري هي الممثلة المرشحة لأداء دور «آمال» في الفيلم. وقد تبادلنا الرسائل واللقاءات والنقاشات منذ سنة 2016 وهو ما جعل هذه الممثلة الرائعة تتشبّع بالشخصية وتنصهر في ملامحها وآلامها وآمالها... وفعلا لعبت عفاف بن محمود الدور بكثير من الإبداع والإقناع، فاستحقت التتويج عن جدارة واستحقاق.
• عندما يمسك مهدي هميلي كاميرا الإخراج، ما هي أول قضية أو رسالة تكون نصب عينيه؟
دائما ما يصيبني الهوس بأن أكون صادقا إلى أبعد الحدود، وأن أحمل المشاهد إلى أعماق الشخصيات وخصوصيتها وحميميتها ليعيش معهم أوجاعهم وأفراحهم ... حتّى وإن كانت السينما قصة أو خرافة لا تمت للحقيقة بصلة، فإني أسعى بأن يكون الفيلم واقعيا وكأن قصته قد حدثت فعلا ! أما الرسالة التي أتبناها في كل أفلامي وأريد إيصالها إلى الجمهور فهي الحرية ومعنى أن يكون الإنسان حرا. أنا ببساطة أحاول أن أكون في موقع الرسام الذي يصوّر العالم على طريقته وكما تراه عيناه مع فرق في أدوات التعبير من الريشة إلى الكاميرا.
• بعد «أطياف»، هل من طيف فيلم جديد لمهدي هميلي؟
يسكنني الحلم في تتويج ثلاثيتي السينمائية بفيلم «مواسم جنّات»، فبعد «تالة مون أمون» و»أطياف» ستكون المرأة القوية والملهمة مجددا بطلة لأفلامي. وقد فاز سيناريو «مواسم جنّات» بعديد الجوائز وهو في مرحلة الكتابة. كتبت حكاية «جنّات» في شكل ملحمة سينمائية بملامح مسرح «بريشت» وأتوقع أن يحقّق فيلم «مواسم جنّات» صدى كبيرا لأنه حقا سيكون قطاف عمر النضج الفني والإنساني.
• ما هي الأفلام التونسية أو العربية أو العالمية التي تأثرت بها وأثرت في مسيرتك؟
لم تكن الأفلام التونسية مصدر إلهام بالنسبة لي ولم تثر فيّ الرغبة بأن أصبح يوما مخرجا سينمائيا ولكني في المقابل تأثرت بالسينما المصرية وتحديدا بأفلام يوسف شاهين وشخصيته في طرح القضايا وقول كلمته بلا خوف أو مجاملة. أما على مستوى المرجعية السينمائية العالمية فقد أثرت في تكويني أفلام «الموجة الجديدة» في فرنسا وكذلك فيلم «كسكسي بالبوري» للمخرج التونسي – الفرنسي عبد اللطيف كشيش... كما أبهرتني أفلام المخرج الدانماركي «لارس فون ترايير» والمخرج الأمريكي «جون كاسافيتس» الذي استلهمت من فيلمه «لوف ستريمز» العنوان الأجنبي «ستريمز» لإسم فيلمي»أطياف» تكريما لهذا الرجل الملهم في مسيرتي السينمائية.
• هل مازال للشعر من مكان في يوميات مهدي هميلي أمام عشق الفن السابع ؟
إنّ الشعر كما السينما وسيلة للبوح والتعبير... وعندما كنت أفتقر إلى المال لتصوير الأفلام، كان الشعر ملجئي وملاذي. ولا زلت أكتب القصيدة باللهجة الدارجة وأنظم كلمات الأغاني عندما يطلبها الأصدقاء ولكن ليس بنسق الممارسة اليومية كما هو الشأن بالنسبة إلى الفن السابع. وقد كتبت قصيدتي الطويلة «يا تونس» في أواخر سنة 2011 وكأني أودع كتابة الشعر بسبب انطفاء جذوة الحماسة والبراءة في نفسي بعد خيانة الثورة التونسية. ولكني حملت هذه الروح الثورية من صفحات الشعر إلى عدسة الكاميرا لتكون سمة أفلامي السابقة واللاحقة.
منذ 10 سنوات قطعت على نفسي عهدا بأني لو وجدت شعري الذي كتبت ما يزال حيا ونابضا ودافقا بقوة الشعور إلى يومنا هذا فسأقوم بجمعه في ديوان ونشره للعموم. وقد أنقذني الشعر في استلهام عنوان فيلمي «أطياف» حيث يتردد هذا اللفظ كثيرا في شعري. فكان فيلم «أطياف» صورا عن أطياف المجتمع المتنافرة والمتقاربة، المتصالحة والمتصارعة، الجميلة والقبيحة....
• هل تعتبر نفسك من شعراء «المنفى» و قد حُرّمت من العودة إلى تونس بسبب نقدك لنظام «بن علي» في قصائد ساخرة؟
لقد افتتنت بشخصيات شعرية كثيرة على غرار بودلار ورامبو والسيّاب والماغوط ... وأثرّ في كثيرا الشاعر الثائر أحمد فؤاد نجم الذي أأصبح صديقي عندما كنت أعيش في القاهرة . وعندما كتبت قصيدتي « يا معلّم» في نقد نظام بن علي وهجاء الدكتاتورية كان الثمن حرماني من العودة إلى تونس. لكني لم أكن خائفا و كنت على يقين بأن الحكام الطغاة سيسقطون يوما ما طال الزمن أو قصر.
• واليوم هل أنت راض عن مسار الثورة التونسية، عن تونس الحاضر والراهن ؟
لم أكن راضيا عن مسار الثورة طيلة عشر سنوات مرّت . ولكن كان يوم 25 جويلية 2021 بالنسبة لي بمثابة بصيص أمل لوأد سنوات حكم الإسلام السياسي وما خلفته من اغتيال وإرهاب ودمار للاقتصاد... وأعتقد أن النظام الرئاسي أفضل من النظام البرلماني في البلدان التي أفسدها بروز الأحزاب الدينية وتغوّلها في الحكم. وشخصيا أثق في الرئيس قيس سعيد وأرجو ألا يتحوّل بدوره إلى ديكتاتور. وفي كل الأحوال لن يسمح الشعب الذي ذاق الحرية بالعودة إلى مربّع الاستبداد. وكما صفق العالم لتونس سنة 2011 يبقى الأمل في أن تقدّم تونس مرة أخرى الدرس لكل شعوب الأرض.
المخرج مهدي هميلي لـ «المغرب»: الحرية قضيتي ... ولا أخشى الجرأة في أفلامي
- بقلم ليلى بورقعة
- 09:52 01/03/2022
- 1101 عدد المشاهدات
بين الحب والوجع، يؤلف كاتب السيناريو مهدي هميلي قصصا سينمائية تنبض صدقا وحياة. وما بين الدهشة والصدمة، يصوّر المخرج مهدي هميلي