التجربة التشكيلية لمريم بن عمار: العين الثالثة: عين الروح تخترق الفضاء اللوني والتشكيلي

«انّ العيون مغاريف القلوب، وان لم يتكلم صاحبها» وللفنان عين ثاقبة قادرة على استقراء الموجود وتفكيك المجتمع وتشريحه وإعادة تشكيله

بعين أخرى أكثر صدقا وانفتاحا على الواقع، هكذا هي عين الفنانة التشكيلية مريم بن عمار عين ثالثة تبدع في قراءة الواقع واستشراف المستقل مع اقتباس من الماضي إذ بعينها الثالثة ترى ما لا نراه وتدرك ما لا نستطيع ادراكه بعينين اثنتين، والعين الثالثة هي عين الروح، عين القلب، وعين البصيرة لفنانة تشكيلية تعمل على التجديد والاختلاف في تجربتها الفنية التشكيلية.
«بعين رائية للوجود وبيدين من شغف ورؤيا تشكّلت خزفيّات «العين الثالثة»، يدين طوّعت، ليّنت، عجنت، فركت، ثقبت، مزّقت، فرمت، لتنتج الأسطح والثّقب والفوهات من أجل الولوج إلى العمق أو الدفع إلى الخارج، لتستأثر من وسائل التخبئة والتّورية وموارية القصد» كما قدمت الفنانة لتجربة العين الثالثة.
من الطين تنطلق العملية الابداعية
تنسجم مع الطبيعة ومنها تستخرج أعمالها المميزة، من الطين تبدأ كما الانسان، من طينها تخلق أعمالها الخزفية المعاصرة، تصارع قسوته أحيانا وتعامله بحنان الام في مرات أخرى لتصل الى النتيجة المرغوبة قبل وضعه في الفرن لتحصل في النهاية على العمل الخزفي المطلوب، فالقطعة الخزفية تكون كما الوليد تشكلها الفنانة من الطين وتجفف ثم تتعرض للحرارة قبل الإعلان عن ميلادها في صيغة قبل نهائية ثم تكون مرحلة التلوين وحتى في ألوانها تميل مريم بن عمار إلى الطبيعة «ألوان طبيعية تشكل طينات البشر» كما تقول الفنانة عن ألوانها المستخدمة، فتجدك أمام البني بكل تدرّجاته هو لون الحياة الأولى الطين، ثم الأزرق وابنة البحر عشقت زرقته فأخذتها إلى عوالمها التشكيلية وحمرة الدم حاضرة في الأعمال وكأّن الرسامة تستقرئ الطبيعة ومنها تستلهم عوالمها التشكيلية اللونية.
«العين الثالثة» هي عين القلب والروح، ليست مجرد طين يصنع منه عمل فني بل دراسة وبحث في مطوّل في تقنيات الفن المعاصر، فلكل عمل تحليله الخاص ومباحثه الأكثر خصوصية حسب مريم بن عمار، بالإضافة للخزف توجد الرسومات الزيتية وكذلك الفوتوغرافيا فعين الكاميرا هي الأخرى عين ثالثة ترى ما لا يراه البشر العاديون.
في تجربتها التشكيلية تنفتح بن عمار على مدارس متعددة منها التقليدي ولكنها تذهب أكثر نحو المعاصرة من خلال استعمال تقنيات الفيديو والتشكيل البصري المعاصر فهي تنظر ببصيرتها» في اللحظة التي تتحقّق فيها البصيرة، ليست العين هي التي تبصر» بل القلب هو من يبصر المجتمع ويحوّل وجعه إلى أعمال تشكيلية، الروح من تبصر لترى الأخلاق والقيم وتصنع منها إلياذة لونية، العين الثالثة هي التي ترى الجمال المخفي وتخرجه إلى الجمهور لتشاركه نشوة الفن.
الفنان قارئ جيد للواقع ومفكك ناجح لشيفراته
للفنان قدرة على قراءة المخفيّ، للفنان قدرة على تحويل السواد إلى بياض وزرع الأمل في نفس مستهلك المادة الفنية، ولمريم بن عمار عين الثالثة تطوق متابعي أعمالها بطاقة من الحب والاكتشاف، ترسم المجتمع بعين مختلفة، ترسم البشر وأخلاقهم وتشكلها في أعمالها الخزفية، بعدسة الكاميرا تلتقط بعض القيم الجميلة لتصنع منها إكليل للجمال تضعه في مرسمها.
في أعمالها تحضر العين بشكل ملحوظ تبدع في رسمها حسب الموضوع المتناول، تكون كبيرة وواضحة في «دفع» العمل الذي يشجع على قيم الوحدة والتآزر بين الناس ومد يد المساعدة لمن يحتاجها فتكون العين تتوسط العمل الخزفي ومرسومة بشكل واضح وكبير «عيني الثالثة، عن العين ورؤية الرؤيا، عين البصيرة والاستشفاف، عين أرى بها ما لا يرى، عين عقلي وعين قلبي، عين روحي» كما تعلق الفنانة عن العمل، العين أحيانا تكون اقل بروزا لكنها موجودة مثل «الرهوط» وربما هي صرخة ضدّ أشكال العنف الموجودة فالعمل موشى باللون الاحمر، لون الدم والعنف وعلى الرهوط تكتب الفنانة «احسب انّ سلوكي الروحي القلق اليائس هو افضل بكثير من السلوك المنطقي» وهي مقولة لـ»اندري بريتون».
مريم بن عمار فنانة تشكيلية تجمع في تجربتها بين التقليدي والمعاصر، فنانة تتقن الرسم والتشكيل على محامل متباينة، تنطلق من الطبيعة والواقعي لتغوص بخيالها في السريالية والمنشود، لها قدرة على شد انتباه متابعي الأعمال التشكيلية، تدفعك للوقوف طويلا امام العمل الخزفي او التشكيلي او الفوتوغرافي لقراءته ومحاولة فك شيفراته بعينك الثالثة عين البصيرة لا عين الجسد، اعمال ترميك في هوة الخوف احيانا فتجدك تبحث في ماضيك السحيق عن فكّ شيفرة الخوف، ومرات تعلو بك الى سماء الامل فترى امتداد السماء وزرقتها عبر عين ثالثة لا ترى «لا تصير عين البصيرة حادة إلا إذ ضعفت عين الجسد» كما تعلق الفنانة على عمل «جلف»، فعين البصيرة هي المقصود إيقاظها في اعمال بن عمار، عين القلب النائمة او عين العقل الراكنة للهدوء هي التي تعمل عليها الرسامة لتحركّها وتصنع منها عينها التشكيلية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115