تحدّثت مع خالي صدفة عن تاريخ ميلاد أمي الحقيقي، أجابني:» ربما في السنة كذا في فصل الربيع»، سألت خالي الأكبر : فقال» بعد ثلاث سنوات من ميلاد زينة في الصيف»، أعدت السؤال لخالتي التي أكدت أنّها ولدت في الشتاء بعد سنتين من ميلاد زينة».. جدّي رحمه الله لم يكن يتذكر حتى أحفاده فكيف له ان يتذكر تاريخ ميلاد ابنته؟ جدتي وحما الله أيضا لم تتذكر حتى في اي فصل ولدت امي..
بكيت مرة كثيرا، لأن امي دون سائر الامهات لا عيد لميلادها.. صار ذلك يؤلمني حتى الوجع.. فكم من حقيقة مشوهة نعيش بها في عالمنا هذا؟ ألا يكفي أنّها ولدت للأرض: تحرثها وتزرعها وتسقيها وتحصدها وتجمع ما عليها.. وتحلب أبقارها وتخبز خبزها حتى يرجع الرجال حاملين كتبهم وأقلامهم ليجدوا بيتا نظيفا وطعاما ساخنا وخبزا مخبوزا وأرضا مزهرة؟ ألا يكفي ذلك حتى يأخذ الذكر مثل «الزينتين» من أرض سقتها حبا ومن مدرسة ظلّت أمي تنظر إلى بابها من بعيد؟
«لو كنت أقرأ وأكتب لوصلت لعنان السماء» هكذا كانت تقول المحرومة من معلم ومقعد دراسة.. فأقبلت أمي على الحروف خفية وعلى الكتب جهرا غير أنّ حلم المدرسة بقيَ دمعة ساخنة تحفر الارض وتسقيها..
أمي التي لا تعرف معنى الإيديولوجيات ولا الميثيولوجويا ولا معنى الجمهورية ولا تعرف الدولة الوطنية، تصرّ على ممارسة حقها في الإنتخاب، وتفزع لأي وجع يصيب الوطن، وتبكي قهرا لأي شهيد لأنها تعتبره ابنها.. وتدعو لحماة الديار بالنصر في حربهم ضد الإرهاب، حتى أنها تصلي لكي يفوز مرشحها في الانتخابات.. وتدعو في صلاتها كي يظهر حق الشهيد..ولمْ تقل لي يوما ذاك حرام وذلك حلال.. ولم تهددني يوما بعذاب جهنم .. كان كلامها طيبا وكفى..
أراها أحيانا تبكي ولا أعرف سبب البكاء.. أتمنى لو أحقنها بما أتعلم يوما بعد يوم.. أحقنها أحيانا برحيق زهور النسيان.. أحقنها بخمرة الزمان.. أحقنها بأفيوم ضد الألم، ضد الحزن..
أتمنى أن أحقنها بزمني أنا حتى تتجاوز مظالم زمنها.. ولكن لكل زمن مظالم.. غير أنّ هذا الزمن يبقى شاهدا وساخرا وغير مبال..
لذلك أعتبر عيد الأمهات، هو عيد ميلاد أمي التي تتقاسمه مع أمهات العالم.. ولكل أم حكاية عيد، وهذه حكاية عيد أمي..