التجربة التشكيلية والفوتوغرافية لمروان الطرابلسي: «شاهدوا الكون بقلوبكم لا بعيونكم»

حين تتعلق الروح بالجزئيات تحولها الى صور ومشاهد من كائنات وعوالم خفية تختفى عن العين وتتجلى الى القلب، حين يتقن الفنان الانصات إلى الطبيعة وموسيقاها

ويحولها بريشته وعدسته الى اعمال وألوان تغري وتشد الانتباه، حين تدفعك لوحة للعودة الى احضان الطبيعة والنظر اليها بعين طفل وقلب عاشق وروح حكيم فأنت في حضرة مبدع طوّع الطبيعة بكل جزئياتها ليصنع منها عالمه التشكيلي والفوتوغرافي المميز.
هو مروان الطرابلسي الرسام والمصور الفوتوغرافي والفنان السينمائي الباحث دوما عن التجديد، فنان كثيرا ما ينادي رفاق الحياة ان شاهدو الكون بقلوبكم لا بعيونكم، فنان كلما رسم ابدع وكلما حمل العدسة التقط صور تشبه النوتات المنفلتة، فنان تونسي يعمل بقولة شمس الدين التبريزي «اقترب ممن يفتحون في روحك نوافذ من نور، ويقولون لك انه في وسعك ان تضيء العالم» .

فنان متميز يغوص في داخله ويتأمل هدوئها وصخبها ويحولها الى ألوان، الفنان التشكيلي مروان الطرابلسي تونسيّ احب الطبيعة وأنصت اليها وحوّل موسيقاها ونغماتها الى لوحات تشكيلية بألوان حارة تشد الناظر وتدفعه عنوة ليرحل معها الى عالم من الألوان، اعمال مروان الطرابلسي تدغدغ الذاكرة البصرية وتغوص بعيدا في اماكن خفية داخل الانسان فتلاعب الطفل النائم وتوقظه ومعه صخب الوانه ليكتشف العالم من جديد وبنظرة مختلفة، فلكل نبتة سحرها كما أن لكل لون في الطبيعة تركيبته الخاصة منها تعلم الطرابلسي الرسم واليها انصت ليخرج باعمال ولوحات موشاة باللون وحكايات الطبيعة والانسان.
تجربة تشكيلية عمادها الكثير من الألوان يتقن الفنان الحالم توزيعها واللعب بها كطفل يلاعب فراشات الربيع، الالوان ميزة كل الاعمال التي يبدع في تشكيلها الطرابلسي منها يصنع ايقوناته التشكيلية الجميلة، من الاخضر الجميل الممتد كانه رحلة بين الغابات باخضرها الساحر، الى تدرجات الازرق الممتد فمن زرقة البحر وزرقة السماء يشحن الطرابلسي روحه بطاقة من الحب ثم يخزّنها داخله وبعدها يعيد صياغتها في لوحة تشكيلية، لا وجود لنظام في الالوان فالطبيعة ام الالوان وفي الحيز الجغرافي الواحد تتماهى الالوان وتتداخل وتكون مبهرة كذلك هي في اعمال مروان الطرابلسي هو فقط ينصت للاصوات، يتتبع سيمفونية تعزفها الطبيعة، ينصت إليها بقلبه ثمّ تتحسسها انامله وريشته ويرسمها في «تأملاته» وهو اسم تشترك فيه اغلب لوحاته.

تأمل تموجات اللون، ذاك الاصفر ساحر اما وجود البنفسجي فيزيده بهاء، للاحمر هو الاخر حضوره لون الحب يخترق الروح في لوحات تنطق بالربيع، تنسجم الالوان وكأنها تعبيرة عن باقة من الحبّ الداخلي يمكن قطافها وتأمل جمالها بعد ان تشرق على اللوحة البيضاء الناصعة، اعمال تتغنى بالطبيعة، اشجار وأطياف لزهور وأخرى لطيور غير بينة جميعها تشترك في هالة الالوان الساحرة فحين يشرق النور في قلبك تجسده صورا ومشاهد من تفاصيل روحك، تنعكس المشاهد بداخلك فتصبح، ماء، فهواء فترابا فسحابا، كلها تناجيك فتحييك، تتجدد روحك بلقائها كل مرة فتحلق معها في ترانيم خفية، لاشيئ يمنعك عن التحليق في سماها، تتجلى لك الصورة اكثر فاكثر ويصبح حدسك هو بوصلة طريقك، تمشي ولا تأبه بالوصول فالمغزى كله في المصادفات الغير متوقعة، تقابل الكون برمته في بحثك وتواصل البحث بلا هوادة» كما يعبّر الطرابلسي عن رؤيته للطبيعة التي تسكن روحه.
يتقن جيدا فعل الانصات الى همس الطبيعة، يعرف جيدا ان لكل نبتة موسيقاها ولكل طائر اغنية ولكل شجرة أهزوجة، بقلب عاشق يسمع موسيقات الطبيعة بألحانها المختلفة تلك الموسيقى المتجسدة من خلال هدير الامواج وحفيف وريقات الشجر ورقة ثوت تصنعه قطرات الندى على وردة تريد التفتح صباحا الى

اثار اقدام لحيوانات خبرت الطبيعة وأصبحت لآثارها موسيقى يستشفها الطرابلسي، في لوحاته يرى الطرابلسي «وجه الربّ» او هو يترك للالوان رؤيته اذا كان للرب وجه فسيكون غالبا من روح الطبيعة في مختلف تجلياتها، اخضر كالعشب ، عطر كالزهر، أزرق كالبحر، صاف كالسماء، رحيب كالافق، قوي كالريح، واضح كالبرق ، غزير كالمطر، عميق كالارض وتختلف الصور وتجلياتها باختلاف رهافة حس المتلقي وقوة ادراكه للجزئيات الصغيرة المتغيرة والثابتة منها ، فكلما كانت روحه صافية شفافة كان المشهد واضحا وجليا واذا كانت روحه ينقصها النور وتطفو عليها الشوائب، كان المشهد متذبذبا وغير واضح، ان تشكيل الكون برمته واحد وإذا اتبعت طريق قلبك لا عقلك استطعت ادراكه، فيتسلل النور بداخلك ويضيئ لك كل خفاياه» بهذه الكلمات يدعو الفنان متأملي اعماله ومتأملي الطبيعة ليطهّروا الروح من ادران المادي والانصات فقط لايقاعات عناصر الطبيعة.

في لوحاته التشكيلية والفوتوغرافية يدفعك لمزيد التأمل في سحر الطبيعة وتتبع قصص الزمان وحكاياته، اعماله لم تولد من الفراغ فقط استطاع ان يتجاوز الابعاد المادية للشيء ويغوص في اعماق الحكاية فللشجرة روح وللنباتات احاسيس وللأزهار مشاعر وللحيوانات اغاني للفرح جميعها يلتقطنها بفطنة فنان وحدس طفل ويحولها الى الوان وهل هناك اجمل من الالوان لكتابة قصص العشق فهو يصنع من الوانه اشراق للروح وللحياة عملا بقولة جلال الدين الرومي «اشرق وكأن الكون كلّه لك».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115