مدير مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس معز العاشوري لـ«المغرب»: نسعى إلى تأسيس مسرح قابل للتصدير إلى الخارج

عاد الفنان معز العاشوري إلى التراث الأدبي مستلهما مسرحيته «مولد النسيان» من كتابات محمود المسعدي الخالدة. وسافر إلى المدونة العالمية ليسترجع

ذكرى شخصيات شهيرة في مسرحيته «دون كيشوت أو حب تحت المراقبة». ووضع دراماتورجيا وسينوغرافيا مسرحية «الوحش» ليحدّث الإنسان عن قيمة العلم في هزم الأوبئة... وفي إدارته لمركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس، يحمل المخرج معز العاشوري باقة من المشاريع والأحلام قصد تنفيذها في الموسم الثقافي 2022. وقد كشف لـ «المغرب»عن أهم هذه الرؤى والتصورات في الحوار التالي:

• تمّ تعميم مراكز الفنون الدرامية والركحية على كافة ولايات الجمهورية، إلا أن هذه المؤسسات تعاني من نقائص مالية وبشرية ويفتقد بعضها إلى مجرد مقرات خاصة... فكيف هو وضع مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس؟
للأسف كل هذه النقائص موجودة في مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس الذي يفتقد إلى فضاء للتدريب والعرض ويعاني من قلة الموارد البشرية وشح الموارد المالية، إلى الجانب المعضلة الكبرى التي تعاني منها كل مراكز الفنون الدرامية والركحية ألا وهي غياب قانون أساسي لتنظيم تسييرها المالي والفني والإداري. وفي الحقيقة يجتهد مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس فوق طاقته وإمكاناته للاستجابة إلى طلبات التكوين الكثيرة وبعث ورشات للمسرح تستهدف الطفل والناشئة والشباب في مختلف مناطق الولاية. ويجدر التنويه بمجهود بلدية بن عروس التي مكنّت المركز من مقر للنشاط إلا أنه يعوزنا فضاء خاص للتمرين وتقديم العروض. ونحن نتوجه بنداء إلى سلطة الإشراف للتفاوض مع السلط الجهوية ببن عروس حتى تضع على ذمة المركز فضاء صالحا للتدريب والعروض سيما وأن الولاية تعج بالمقرات المهجورة أو المغلقة لتي سيكون نفعها أجدى عندما تصبح بوابة لإنتاجات الفن الرابع ومنارة لإشعاع بن عروس فنيا وثقافيا.

• ما ملامح فلسفتكم في تسيير المركز... وعلى ماذا تراهنون ؟
لقد استفدت كثيرا من اشتغالي بمؤسسة المسرح الوطني صحبة الفنان القدير محمد إدريس الذي علمنا أن التكوين هو الأصل والأساس. وفي مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس يمثل التكوين المتواصل والمستمر أولوية في فلسفة تسيير هذه المؤسسة. ونحن لا نهتم بالتكوين في ورشاته وتربصاته ومختبراته البديهية والمتعارف عليها فقط بل نسعى إلى تكوين الممثلين في الفنون الإضافية على غرار السيرك الفني والرقص المسرحي وفن الأوبرا حتى يستطيع المسرح التونسي الانتشار في الخارج. وقد أصبح لكل هذه الفنون حضورا قويا وأساسيا في العروض المسرحية العالمية. وهدفنا تأسيس صناعة مسرحية قابلة للتصدير إلى الخارج.
على مستوى آخر، نشتغل على خارطة ثقافية لولاية بن عروس وذلك بالتوغل في المناطق المهمشة والأحياء الشعبية من خلال نشر الورشات الفنية التي من شأنها تهذيب شخصية الفرد واستيعاب وقته وطاقاته المهدورة في دون فائدة، وأحيانا في العنف والانحراف والجريمة. وفي هذا الصدد تقدمنا بمشروع شراكة بين المركز والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية ببن عروس يقوم على بعث مسابقات فنية في استثمار لأربع مناطق حية في بن عروس، وهي: مخيم برج السدرية وسرايا المحمدية وبرج الرصاص بمرناق والموقع الأثري بأوذنة.

• يحمل مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس مشروعا رائدا وضخما لتنشيط السياحة الثقافية بموقع أوذنة الأثري من خلال ركح المسرح، ما مدى التقدم في هذا الملف ؟
لقد حان الوقت ليستعيد موقع «أوذنة» إشعاعه ومركزه وآن الأوان لأن يحظى هذا الموقع الذي يعد من أكبر من المعالم الأثرية في البلاد التونسية بالاهتمام والاستثمار الذي يستحق. وفي هذا الإطار أعددنا لمشروع «يوميات أوتينا للفنون» الذي يقوم أساسا على تأسيس مختبرات فنية وعلمية تبتكر تصورا فنيا جديدا للآثار والتراث المادي وغير المادي لموقع أوذنة، إلى جانب بعث تظاهرة مسرحية نسعى إلى أن تكون دولية و ذات خصوصية فنية تقطع مع العروض التجارية في تناغم واستغلال لطبيعة الموقع الساحر والشامخ على مر العصور.
ولن يقتصر مشروع «يوميات أوتينا للفنون» على استثمار المسرح المدرج بموقع أوذنة بل سيمتد على كامل الموقع الأثري عن طريق مسالك فنية وشيقة تربط بين المسرح والحمامات الرومانية والمنازل والمعابد وساحة الكابيتول وصولا إلى الموقع الثقافي الذي يشمل المشهد الطبيعي والفلاحي الذي يحيط بموقع أوذنة الأثري.
ونسعى إلى تنفيذ هذا المشروع بالشراكة مع وكالة إحياء التراث وبالتعاون مع المعهد الوطني للتراث وغيرها من الهياكل والمؤسسات... وسيعهد بالإدارة العلمية للمشروع إلى محافظ الموقع نزار بن سليمان وسيتولى مركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس الإدارة الفنية للمشروع. وقد تقدمنا بالمشروع إلى صندوق التشجيع على الإبداع قصد الحصول على الدعم اللازم للانطلاق في وضع أسس هذا المشروع الواعد. ولا شك أن « يوميات أوذنة للفنون» ستغيّر وجه ولاية بن عروس إلى الأجمل وستكون ركحا متميزا للعروض ذات الخصوصية الفنية والهوية الثقافية المتجذرة في عمق التاريخ وروح المكان.

• بعد نجاح مسرحية «الوحش»، يستعد مركز بن عروس إلى إنتاج مسرحية جديدة بعنوان «الدم الفاسد» وإخراج حاتم دربال. فهل من فكرة على هذا العمل؟
فعلا لاقت مسرحية «الوحش» رواجا كبيرا ونجاحا جماهيريا. كما ستواصل سلسلة من العروض في تونس وخارجها بعد عرضها مؤخرا في أيام قرطاج المسرحية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسرحية هي من إنتاج مشترك بين مركز الفنون الدرامية والركحية بن عروس ومسرح الأوبرا، وقد قمت فيها بمهمة الدراماتورجيا والسينوغرافيا في إخراج ليحي الفايدي وكوريغرافيا لأميمة المناعي.
وحاليا، نعمل على إنتاج مسرحية «الدم الفاسد» عن نص «نهاية العالم ليس إلاّ» للفرنسي جان لوك لاغارس في إخراج لحاتم دربال. وتتحدث المسرحية في تصورها الأولي عن رجل يغادر المستشفى ليقضي أيامه الأخيرة وهو ينازع الموت في بيته. فيصطدم بأن منظومة الفساد قد تسللت إلى أفراد عائلته، ليكون دمه وهو المريض بداء «سرطان الدم» أصفى وأنقى من دماء أجساد مريضة أخلاقيا وإنسانيا...

• كيف تقرأ الوضع الثقافي في ظل واقع صحي حرج ومشهد سياسي واجتماعي محتدم؟
من المؤسف أن كل الأوضاع الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تلقي بظلالها على المشهد الثقافي لتزيد من أزمته واختناقه. ليست الثقافة ضحية «الكورونا» لوحدها بل إن تخاذل الإرادة السياسية هو المسؤول الأول والأخير عن اغتراب المثقف ومعاناة الفنان... لا بد اليوم من عودة المجلس الأعلى للثقافة في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبح كل من هب ودب يتطفل على الفن. ويجب على وزارة الشؤون الثقافية التخلص من حشرها في الدائرة الضيقة للمساعدات الاجتماعية ولعب دورها كوزارة صناعة بمعنى أن تكون قاطرة للصناعات الثقافية وأن تكون مدينة الثقافية مختبرا للبحث والتطوير ونواة لخلق سوق نشطة تستقطب كبار الموزعين والمستثمرين ومدراء المهرجانات الدولية الكبرى لتسويق الإنتاجات التونسية في المسرح والسينما والموسيقى... وتبقى الثقافة هي «القوة الناعمة» التي تتسلح بها الأمم من أجل فرض الوجود وإعادة التموقع في العالم الجديد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115