افتتاح «المهرجان الدولي لفن الحكاية»: «ذاكرات».. في سوق الحكايات يكون اللقاء أجمل وتنصهر الفكرة مع الذاكرة

«روسبينا» تفتح أبوابها للزوار، روسبينا تحتفي بأقدم وامتع فنّ فن الحكاية، روسبينا تحتفي بالذاكرة وتدعو جمهورها

إلى الاقبال على العروض الحكائية في دور الثقافة والمكتبات العمومية وسوق الحكايات.
ضمن فقرات مهرجان فن الحكاية الذي اجتمع فيه ثمانية عشرة حكواتي من تونس والمغرب والجزائر وفرنسا، اجتمعوا حول فن الحكاية ووزعوا ملامح الخيال على الاطفال
سوق الحكاية: متعة القصة والإبهار
يا زوار المنستير اقتربوا وأنصتوا، كان يا ماكان في سالف العصر وسابق الأوان سوق للحكايات وهاهي المدينة تحيي -اليوم- هذه العادة، فاقتربوا وأنصتوا واستمتعوا، هلمّوا إلى الحلقات المختلفة لونا ولهجة ومعنى، لك أن تنصت إلى الحلقة المغربية وتتعرف على الموروث الشفوي المغربي فتلك آمال المزوري تلبس ألوان العلم المغربي الأخضر والأحمر وتدعو الصغار لينصتوا لحكاياتها، هي الأخرى تبدو كطفلة شغوفة بما تقدم، وحذو الحديقة يضرب الطبلة ويلبس الالوان الجميلة فينسجم الأخضر والوردي والاصفر الوانه وموسيقاه تغري بالبقاء ومتابعته، الحكواتي المغربي محمد صوصي علوي اما عبد الرحيم الازلية فله طابعه المختلف في اللباس يبدو كما الخلفاء الراشدين، بلباسه الاحمر وطربوش احمر على الراس، يقف معتدا بذاته وهو يحكي للاطفال بعض حكايات هارون الرشيد.
لم تنتهي السوق لازال الكثير لتسمعه، فلنواصل الرحلة ولنقترب من حكايات الجزائر تزامنا مع عيد الثورة الجزائرية، الحكواتية تحمل اسم جميلة نسبة الى جميلة بوحيرد، هي ابنة مناضل جزائري كان اسمه الحركي بورقيبة، منه اخذت الكثير من قصص مناضلي الجزائر وحولتها الى حكايات تقولها للاطفال باسلوبها المشوق، هادئة اثناء الحكي، تغريك بالانصات أكثر وتحملك الى الجبال، الى وهران الى الجزائر بنضالاتها وقصصها الجميلة التي تتقنها جميلة حميتو.
الحكايات التونسية ملونة كما البلاد
أما التونسي فملون كما تلوينات الحياة على هذه الأرض البهية فلنتجول من حلقة إلى أخرى، سيبهرك بوراوي الوحيشي بالبلوزة والشاشية متحدثا عن قوة المرأة التونسية وشدتها بلهجة ريفية جميلة في حكاية «فضيلة الشارني»، واذا سمعت «اماشاهو، اهو، اهو» فذاك ابراهيم زروق مجنون الحكاية والمسرح بألوانه الجميلة وطريقته المختلفة في الحكي يشد انتباهك جامعا بين العربية والامازيغية، ومن سحر بوابة الحكاية والصحراء دوز تجد صالح الصويعي ببرنسه وعكازه يحكي لأطفال المدينة عن سحر الصحراء وامتدادها، لصالح الصويعي أسلوبه الفريد ولهجته الجنوبية كما الموسيقى تزيد الحكاية سحرا.
في بطحاء الرباط لا تنضب الحكايات من سوق الحكايات، توزع الحكواتيون على كامل المساحة ليوفروا للأطفال أكثر من فرصة للتعرف على حكايات مبهرة وعجائبية تحملهم إلى عوالم غريبة ومختلفة، تحت قبة جميلة بلباس تونسي بهي تبهر الأطفال بحركاتها وطريقتها في الأداء الحكواتية رائدة القرمازي بلكنتها الصفاقسية الجميلة تزيد للحكاية سحرها، غير بعيد عنها المشاكسة هدى بن عمر بالشقاشق والقبعة العجيبة تصحب الصغار الى عوالم الابهار،بضع خطوات يشدك فوزي اللبان بلباسه التقليدي مازجا بين الاسود والابيض ليحكي حكاية ويطلب من الأطفال ان يشاركوه الصور و الخيال، تحت البرج مباشرة وقف هشام درويش بشاشية حمراء قانية شامخا يخاطب الأطفال ويرحل معهم إلى التاريخ، غير بعيد عنه حكواتي له أسلوبه المتفرد، نهل من التاريخ الكثير حفظه منذ النعومة وحوله إلى خرافات مميزة يتقنها جيدا أثناء الحكي ويجلب انتباه المارة للوقوف، عبد الستار عمامو بلكنته المميزة والمغرية بمزيد الإنصات يقف في سوق الحكايات مناشدا التاريخ ومناديا الأجداد ليحضروا وينصتوا أيضا.
في سوق الحكايات تحضر المتعة ويغيب القلق، في حلقات الحكايات تنبهر بما تسمع من قصص عجيبة وأسلوب فريد، إبهار للطفل والكهل، فيمتزج العجائبي بالحقائق وتتدافع الصور والخيالات وتحضر الغرابة ويوزع الحكواتيون السعادة مجانا على كل الحاضرين أطفالا وكهولا.
في رباط المنستير وفي رحاب التاريخ كان الموعد مع الاطفال الحكائين، تبادل للافكار والنصول، تلوينات تونسية واهازيج مغاربية في سوق الحكي كانت مميزة، في سوق الحكاية اجتمعوا ليقدموا للجمهور باقة من الحكايات المبهرة وينقلوا القليل مما تخزنه الذاكراة.
آمال المزوري من المغرب: الحكاية هوية، وحكاياتي دفاع عن تراثنا الشفوي من الاندثار
طفلة شغوفة بعوالم الحكاية، هي حكواتية دولية من المملكة المغربية، أحبت الحكاية منذ الطفولة ونشأت عليها» كما قدمت نفسها.
امال المزوري حكواتية من المملكة المغربية، في تصريح لـ«المغرب» تحدثت عن مشاركتها في «ذاكرات» ووصفتها «مشاركة متميزة اولا لظروفي الشخصية وثانيا لظروفي الفنية، بالنسبة للاولى لازلت اعيش فقد فقدت جدتي التي كانت السبب الاول في تعاطي فن الحكاية، وفنيا هي اول مرة أشارك بعد حدث وفاتها فاثرت روحها ايجابيا لاستحضر الكثير من حكاياتها امام الجمهور واعتبر ان الحضور الى تونس والمشاركة في المهرجان شرف وتميز.
وتضيف محدثتنا لاحظت انّ الاطفال جد متعطشين لفن الحكاية، كذلك المؤطرين وهذا يشرّف العالم الحكائي، لاننا فقدنا صورتنا اللامادية واذا كان هناك اقبال واهتمام وتعطّش فهذا يعني ان فن الحكي سيتمر، وهذا هدفنا بالاساس.
وتشير المزوري في المغرب كانت هناك ساحات للحلقات في كل المدن تقريبا وانا جئت من اقصى المملكة تحديدا مدينة طنجة التي كانت تعج بالحكائين في ساحة الحكاية «سدّبره» وكانت تستقطب حكواتيين في حلقات وفي نهاية الحكاية «يدي البركة» (الاجر البسيط) لكن مع مرور الايام اندثرت هذه العادة ولم يعد هناك حكواتية في الساحة منذ 1875، في 2016 بدات رحلتي مع الحكاية، وبما ان الحكاية هي تراث شفوي لا مادي هو عاداتنا وتقاليدنا ويجسد ماهيتنا لا بد ان احكي في حلقة، فقررت الخروج خرجت الى الساحة الى تلك الساحة تحديدا وحكيت، كنت الأنثى التي استطاعت ان تقوم بحلقة في الساحة العمومية وهي جرأة لا نظير لها فعادة الحكاية تقتصر على النساء في الجلسات النسائية، حين شاهدني الرجل في الساحة هو الاخر قرر ان يخوض غمار التجربة ويعود الى الساحات ومن هناك أصبحت الساحة مكان لانجاز حلقات الحكاية وقدمت حلقات متفردة وبدأت أتقاسم هذا الفن مع الجمهور.
وتعود المزوري الى الشغف الاول وتقول لـ«المغرب» «نشات في حي شعبي وبيت يوجد في لب المدينة القديمة بطنجة، الديكورات، الألعاب الشعبية أصوات الجيران جميعها مصدر للإلهام، والجدة كانت المصدر الأول للحكاية، في الطفولة كنت اتمارض لأهرب من المدرسة فقط لأذهب إلى الجدة واستمع الى الحكايات، ثم كان دور الخال حين اكتشف قدرتي على الارتجال اذ كان يقدم لي قصص للأطفال ويطلب مني قراءتها، وكنت مشاكسة ولا أحب القراءة وحين يسألني عن القصة ارتجل شخصيات وأحداث واسردها له، ثم تطورت العملية واصبح يطلب مني تجسيد الحكاية مسرحيا فاضطررت حينها للقراءة لكي احكي ومن هناك كانت التجربة الاولى وهي التي صنعت هذه الحكواتية الدولية.
وتحدثت امال المزوري عن اهمية اللقاءات في حفظ الموروث الشعبي فالمهرجانات هدفها الاسمى تقاسم التجارب، ثم نفيد بهذا الفن ونستفيد من الجمهور من خلال الاهزوجة او قصة، في المغرب العربي حكاياتنا تتاشابه، نفس الاحداث فقط تختلف الاسماء وبحثت في هذا الموضوع ووجدت ان الحجاج كانوا يحملون معهم حكاياتهم وتراثهم.
وعن تمسكها باللهجة المحلية تتحدث «ادافع عن اللهجة المغربية والمغاربية لانها هويتنا، لسنا مقصرين في ايصال لهجاتنا، نحن المغاربة (المغرب تونس الجزائر ليبيا) فضوليين نريد البحث، نحتك بثقافات مختلفة ونطقنا للحروف يسهل علينا التحدث بلغات لكن تبقى هويتنا في ايصال تراثنا بلهجاتنا المحلية.
قدمت المزوري أربعة عروض بين الساحات والمدارس بين قصر هلال وبنبلة وعن شغف الأطفال للحكاية تقول «الحكاية تضفي للطفل العبر وتهذبه بطريقة فنية، للحكواتي القدرة على شد انتباه الطفل والتاثير فيه بطريقة عجيبة، حكواتي طريقة بيداغوجية في التعامل مع الطفل لذلك فن الحكاية فن عظيم يعلم الطفل ان يكون انسانا».
بوراوي الوحيشي: أنا فنان والحكاية ذاكرتنا الجماعية
تونسي جدا، متمسك بهويته وتراثه، له لباسه الخاص أثناء الحكي، البلوزة واللحفة والشاشية من تيمات كل عرض يقدمه، ممثل مسرحي وحكواتي شرب من نبع الحكاية وارتوى ليقدمها بأسلوب مختلف وجميل، الحكواتي بوراوي الوحيشي في ذاكرات تحدث عن البدايات، عن شغف لا ينضب، تحدث عن الأحلام التي يصنعها مع الأطفال أثناء الحكاية فهو «فنان ومعلم ورسول أو لا أكون» حسب تعبيره» فنان أحب الحكاية وقرر أن يمارسها مهنة «ماناش متاع فلوس، نحن نريد أن نحلم ونصنع انسانيتنا».

عبد الرحيم ازلية من المغرب: نرجو ان يصبح هناك مدرسة لفن الحكاية في كل الدول العربية
تعرف المغرب بكثرة ساحات الحكاية ففي كل مدينة هناك ساحة للحكاية، مكناس مثلا كان بها 13حكواتي، وجدة 5حكواتية في الساحة، ساحة الجامع كانت فضاء للحكاية، ثم تطورت الحكاية لتدخل في المنظومة المدرسية، فاصبحت تدرس في المدارس حسب تعبير عبد الرحيم الازلية من المغرب، مضيفا «أسست اول مدرسة لفن الحكاية في العالم في مدينة مراكش، في البداية كان هناك 32طالب نعلمهم الحكاية باللهجة المغربية وهم يترجمون حكاياتنا الى اللغات الاخرى مثل الفرنسية والانقليزية» ويؤكد الازلية انهم يدافعون عن الحكاية باللهجة المحلية لانها عنوان للذاكرة وجزء من الهوية والموروث، واشار ان حلقات الحكي لازالت موجودة في المغرب»في رمضان تدعوني العائلات، لاقدم حلقة الحكاية ويتسامر الجميع مع الحكواتي، نستحضر امجاد القدامى و تراثنا الاسلامي وابطالنا في شكل قصص يبدع الحكواتي في تشكيلها»، وفي مهرجان المغرب للحكاية تحضر معنا 45دولة وهو رصيد محترم للتقديم هذا الفن العظيم، ويختم الازلية بالقول «ارج وان تؤسس جميع الدول العربية مدرسة لفن الحكاية، ليتواصل هذا الفن ويشعّ».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115