من فن وجمال وحياة. وقد تكون من أبشع المواقف وأسوإ الأوقات التي يمكن أن يمر بها الفنان هي وقوفه على أعتاب «السلطة» سائلا عن حق مهضوم أو متظلما من جحود ونكران...
للأسف عاش فنانون كثيرون في تونس ظروفا صعبة وعانوا من صروف الدهر وتقلبات الزمن إلى حدّ الموت في بؤس وعوز. وإلى اليوم لم يتغير شيء، فلازال الفنان يواجه ضنك الحياة وشظف العيش وذنبه الوحيد أنه اختار التفرغ لمهنة وشغف لا يضمنان المستقبل الواعد والدخل الوفير.
آخر «ضحايا» الزمن كانا من «أبطال» الفن الرابع واللذين أفنيا الشباب والعمر في تأسيس «مسرح الأرض» لكنهما في نهاية المطاف لم يجدا على هذه الأرض متسعا للاستقرار والسكن. في منتهى الوجع والألم تم تداول خبر رفع قضية ضد الفنان المسرحي نور الدين الورغي ورفيقة دربه الفنانة ناجية الورغي لإخراجهما بالقوة العامة من منزل على وجه الكراء. فهل يستحق الفنان الشاعر والممثلة المبدعة كل هذا التعب والعناء؟
من حسن الحظ أن النبأ وصل إلى أسماع وزارة الشؤون الثقافية فإذا بوزيرها بالنيابة الحبيب عمّار يسارع إلى لقاء الثنائي «الورغي» في محاولة لمعالجة الأزمة وحفظا لماء الوجه من سياط جلد المثقفين والمواطنين وتنديدا بما وصلت إليه وضعية الفنان في تونس.
ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يوضع فيها الفنان في مواقف حرجة وأوضاع صعبة. وليس الفنان في حاجة كل مرة إلى تكرّم الوزارة بمعونة أو مساعدة بل هو يطالب بوضع حد لهشاشة وضعية اقتصادية واجتماعية عانى منها لسنوات وعقود.
إلى حدّ اليوم لم ير قانون الفنان والمهن الفنية النور، ووقف عند عتبة مجلس النواب المجمدة أعماله إلى أجل غير معلوم.
وإذا كانت الدولة تحترم مبدعيها وفنانيها فعلا فمن واجبها دعم ميزانية وزارة الشؤون الثقافية ووضع سياسة ثقافية واضحة المعالم.
في تونس يتحدث الرئيس عن احتكار «الحديد» وارتفاع الأسعار وينسى الحديث عن الثقافة ويتغافل عن دور الفنون في تغيير واقع الشعوب.
في النهاية وحده نور الدين الورغي سيبقى شاعر المسرح ووحدها ناجية الورغي ستبقى ملح الأرض.