عرض «تنفيسة» إخراج مروان روين وكوريغرافيا مريم صوفي ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية: إلى كل النساء.. ارقصن فالرقص حرية ...

هي ذات حالمة ومتمردة، هي روح تواقة للحرية، كلما شعرت بضيق الجدران رقصت حدّ التلاشي وكلما ازدادت شظايا الجسد

شعرت انها حرّة وسيدة نفسها وفكرها، هي المرأة ثقل البيت والوطن، لها قدرة على تحويل المأسي الى لحظات فرح وسعادة، على الركح تتعرى من كل القيود وتعيد بناء ذاتها كما فعلت مريم صوفي في عرض «تنفيسة» من اخراج مروان روين.
وجاء في تقديم العمل عندما ترهق المرأة التناقضات الحادة ما بين آلام وهواجس وحيرة وتيه، يصبح الحلم الملجأ الوحيد للعثور على العالم الأسمى والصورة المُثلى، يخوض العرض رهان تحريك الكون الشعري والتجربة الحسية لامرأة تتصارع مع قوى غير مرئية وغير متوازنة. وقد يقدر الرقص وحده على تحرير هذا الجسد وإهدائه لحظات من الراحة والسعادة.
المرأة كيان حرّ
امرأة بفستان احمر جميل جسد منفصل عن الآخرين يضع نفسه في مربع صغير، تتشابه حركات الجسد مع حركات السمكة الموضوعة داخل الإناء كلاهما جسدان مسكونان في فضاء مكاني محدد، ينتفض الجسد وكأنّ الروح تنسحب منها الى فضاء ارحب، حركات ميكانيكية تكرر في اكثر من رقصة كانها تعبيرة عن قلق وجودي تعيشه المرأة في حياتها اليومية والمجتمعية، المرأة ذاك الكائن الهش كقشة و الصامد كما الجبال، بين اللين والقسوة خيط رفيع وحدها كيف تتحكم فيه في علاقة بذاتها والمجتمع.
بين فضاء الراقصة واناء السمكة تشابه كبير فكلاهما يعيشان في سجنا وجب التخلص منه، كلاهما وضعت في السجن بطريقة لا إرادية فالراقصة كما السمكة تبحث عن طريق للانعتاق، انعتاق من احكام المجتمع ونواميسه، انعتاق من انتشار ظاهرة العنف والتعنيف في اغلب الفضاءات العامة والخاصة انعتاق من ظلم الذات لذاتها وقسوة المرأة على نفسها إرضاء للمجتمع والقوانين والشعائر فتلتجئ إلى الرقص وتنجز حركات مختلفة جميعها تشبه حركة ذيل السمكة وهي ترقص.
الموسيقى مطية للدخول الى خبايا الكوريغراف، النوتات المتسارعة تتماهى مع دقات قلب المراة اثناء الخوف والحب، الموسيقى تتحد مع الاضاءة وكانها تسبغ اغوار الروح التواقة للحلم، في فضاء ضيق تتحرك الكوريغراف مريم صوفي بكل اتقان وتلقائية، تتقن رقصاتها وحركاتها وتصحب الجمهور الى خبايا امراة تحلم بالتحرّر وكسر كل القيود المحيطة بها، حركات متناسقة وايمان باهمية لغة الجسد وقدرتها على التعبير.
«تنفيسة» عنوان العرض، «تنفيسة» من اللهجة التونسية وتستعمل للدلالة على الارتياح النفسي وانجاز فعل جميل، فالموسيقى «تنفيسة» و اللعب «تنفيسة» والرقص هو اجمل تنفيسة فمن خلاله يتحرر الجسد كليا من قيوده، حين ترقص المراة تشعر انها ملكت البسيطة ببحارها وجبالها وكل العوامل الطبيعة تصبح تحت إمرأة حركات جسدها المنتفضة وفي حركاتها تتماهى مريم صوفي مع «هيرا» الهة الارض، «تنفيسة» رحلة يقودها الجسد الى عوالم الحرية، سفرة الانعتاق والجمال يصنعها جسد راقصة احبت فنها وانخرطت في مسار ابداعي متمرد يشببها، في «تنفيسة» تتماهى روح المخرج المختلف الكوريغراف ومروان روين مع راقصة تتقن تحويل النصوص المكتوبة الى حركات راقصة متمردة ومجنونة تتماهى مع جنون اللون الاحمر.
الفن انعتاق من كل القيود
مبدعـــة تصنع طريقهــــــا الفني المختلـــف، فنانة تؤمن ان الفن حياة، رقصت فابدعت، صعدت على الركح فانتشى الجمهور ورسمت فباحت الروح بخباياها على الورق، الكوريغراف مريم صوفي تصنع عوالمها الفنية المميزة، في عرض «تنفيسة» تميزت الراقصة اتقنت الانتقال من مشهد الى اخر وتركت لجسدها الحرية ليبوح بخفايا النص ويعيد تركيب الجمل في حركات متسارعة حينا وبطيئة احيانا وكأنها تعبيرة عن انّات داخلية تعيشها المرأة، في العرض يمتزج رقص الفنانة مع السينوغرافيا من اضاءة وموسيقى ليصبح الجسد حمال رسائل تدافع عن حرية المرأة وضرورة الدفاع عن مكتسباتها وتطبيق كل القوانين التي تجرم العنف.
مريم صوفي الكوريغراف هي ايضا شاعرة ورسامة، فنانة متعددة المواهب تتقن الرقص على الاحرف والكلمات وتكتب بفرنسية جميلة وهي فنانة تشكيلية لها عدة لوحات في مواضيع مختلفة، ميزة لوحاتها الحضور اللافت للالوان الزاهية، الوان الفرح والحب، اعمال بطابع فريقي ميزته رسم البهجة ونشر الفرح على الجميع.
مريم صوفي تجمع في داخلها كل الفنون تنتقل بينها كفراشة بين زهور الربيع، ترقص بحرية وتكتب بجراة وترسم بتلقائية وتمارس التلوين كطفلة، فنانة متعددة المواهب لها حضورها المختلف على الركح ولرسوماتها الكثير من الرموز، فنانة تدافع عن الرقص والمسرح وتمارس الفن التشكيلي، تجمع بينها بحكمة الكبار وتمارسها بشغف الاطفال.
مروان روين: يتقن الانصات إلى لغة الجسد
بين الفكرة والتنفيذ يتنقل بخطى حثيثة، مروان روين من الراقصين التونسيين المدافعين الشرسين عن مهنة الرقص وضرورة حضورها في كل الفضاءات، مروان راقص يتقن جيدا الانصات للغة الجسد وتحويل المنطوق الى حركة ومنذ سن 11 بدأ مروان الروين خطواته الأولى في عالم الرقص. صقل موهبته في المركز المتوسطي للرقص المعاصر والمركز الكوريغرافي المتوسطي. شارك في عشرات الإبداعات والإنتاجات كراقص ومؤد. كما ألفّ 6 إبداعات من بينها « راس النهج » سنة 2015 ، وقد نال هذا العرض جائزة أفضل كوريغرافيا في مهرجان تونس عاصمة للرقص. 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115