مثقفون يقيمون ملامح المؤتمر العاشر لحركة النهضة تغيّر الخطاب ولـم يتغيّر المشروع ...

• لا نية للتنازل عن أسلمة الدولة والرهان هو رهان عمل وزمن للحركة وللغنوشي


كيف يرى المثقفون ملامح المؤتمر العاشر لحركة النهضة الإسلامية؟ وكيف يرون خطاب شيخها راشد الغنوشي، وهل من مؤشرات على تتونس الحركة؟ أم أنّ حليمة لعادتها القديمة وفية دائما أبدا؟ هل من ترعرع في أحضان المناهج السلفية والدعوية واستبسل في الدفاع عن “هوية إسلامية” ووصم حركته بمرجعية دينية، وهل من اعتبر نفسه حامي حمى الدين يمكن أن يقطع مع العمل الدعوي وخلط الديني بالسياسي؟ هل ستفتح حركة النهضة عهدا جديدا وذلك بالارتماء قلبا وقالبا في أحضان مدنية الدولة ومعانقة قيم الجمهورية؟
«المغرب» سألت العديد من المثقفين، اختلفت أراؤهم لكنهم اتفقوا حول نقطة واحدة: «المشروع الإسلامي أساس وجود الحركة».. بعضهم تساءل :»هل من تصريح واضح وصريح لانفصالهم عن التنظيم العالمي للإخوان خاصة أننا عهدنا الحركات الإسلامية والسلفية تكتب مراجعات عندما تنوي الانتقال من مرحلة لآخري؟» وبعضهم أجاب: «هنا نشعر أنّ رسالة الغنوشي واضحة للتونسيين: صمدنا في الماضي وسنصمد في المستقبل»..

الهادي يحمد الكاتب والإعلامي
«الدفاع» عن الصبغة الدينية الإسلامية للدولة سيبقى حجر أساس لأي عمل سياسي لحركة النهضة
مقولة « التخصص» أو فصل الدعوي عن السياسي والتي رفعتها النهضة كأحد أهم مخرجات مؤتمرها العاشر فيها الكثير من اللبس اضافة الى كونها عملية مخاتلة اجرائية. ما فهمناه أن حركة النهضة ستتخصص في ممارسة السياسية واحالة العمل الدعوي إلى جمعيات منبثقة منها أو مدعومة من طرفها.
الخطاب المؤسس لهذا التقسيم او التخصص والذي سمعناه في المؤتمر الافتتاحي للحركة النهضة في قاعة رادس من قبل رئيس الحركة لا ينبئ بجدوى هذا التقسيم في حركة ذات مرجعية اسلامية. من المهم القول أن اهم الجمل التي نطق بها الغنوشي في خطابه منتقدا خصومه السياسيين هي « نستغرب إصرار البعض على اقصاء الدين من الحياة العامة» فضلا عن اشادته بالفصل الاول من الدستور الذي يراه صمام امان دون اي انحراف على «هوية الدولة الاسلامية». في اعتقادي أن «الدفاع» عن الصبغة الدينية الاسلامية للدولة سيبقى حجر اساس لاي عمل سياسي بالنسبة لحركة النهضة دونها ستفقد هويتها ودواعي وجودها. من المهم هنا الرجوع للبيان التأسيسي للحركة الذي يعطي اهمية مركزية للمشروع الاسلامي باعتباره اساس وجود الحركة.
هل نحن مع المؤتمر العاشر بصدد تأسيس حركة سياسية جديدة ؟! بالتأكيد لا. ما سيحدث مع هذا التقسيم الاجرائي ان جمعيات ومنظمات تابعة أو قريية من الحركة ستتخصص في مسك ملف المساجد والمناشط الدينية الاخرى بينما ستبقى الحركة حارسة لهيكل «اسلامية الدولة» سياسيا واحالة اي مشروع قانون في البرلمان من الممكن ان يشتم منه اعتداء على المقدسات او تعديا على الشريعة الاسلامية على اللجنة الوقتية المتخصصة في دستورية القوانين أو المحكمة الدستورية فيما بعد و الملزمة بالبند الاول من الدستور الذي لا يمكن تعديله. يعني باختصار اعتقد ان التقسيم او التخصص هو عملية اجرائية لن تمنع مواصلة الحركة سياسيا بالقيام بدور الحارس للمعبد وستمنح جمعياتها ومنظماتها هامشا أكبر مع مفارقة غريبة وهي أن قيادات النهضة هنا تتحدث عن «مجتمع مدني» للحديث عن الجمعيات الخيرية الدينية من دوره القيام بهذا الدور.

هالة الوردي دكتورة الحضارة والآداب الفرنسية
الحزب عوضا عن الدولة...
قدّم راشد الغنوشي عرضا سياسيا مدروسا في غاية المهنية، خطابه المحكم يتناقض مع المواقف السياسية المضطربة والمرتجلة التي نلاحظها في أعلى هرم السلطة، تكلّم كرئيس دولة لا كرئيس حزب، فأمام الهشاشة الواضحة للدولة والإشاعات المتداولة حول التغيير القادم يتبين أنّ حزب النهضة باق ومتواصل لذلك ذكّر الغنوشي بتاريخ الحركة التي لم تندثر رغم كل العقبات والمخاطر التي هدّدتها، وهنا نشعر أنّ رسالة الغنوشي واضحة للتونسيين: صمدنا في الماضي وسنصمد في المستقبل، وهنا أعتبر الموقف حرجا فبعد مرحلة الحزب الدولة التي عرفناها مع بورقيبة ومع بن علي، وكأننا نتجه بخطى ثابتة نحو مرحلة جديدة وخطيرة: الحزب عوضا عن الدولة، وهذا الأمر يتجلى في كون أنّ راشد الغنوشي لا يضطلع رسميا بأية مهام صلب الدولة وهذا دليل على أنّ مركز السلطة والقرار السياسي في تونس تسرّب خارج الدولة.

مريم عزوز باحثة في الدراسات الاجتماعية
هل أن النهضة ستكون أول مطبقة لتعليمات التنظيم العالمي للإخوان بتقية الانصهار في المدنية والمجتمعات المعاصرة؟
الدعوة لفصل الدعوي عن السياسي وتونسة الحركة، إقرار بطريقة غير مباشرة بأن الحركة كانت تنشط في الدعوی وتضارب مع خصوصيات حزب سياسي مدني .مراجعة قائمة علی الإقرار بأن الحركة كانت دعوية بالأساس ويمكن أن نفهم هذه المحاولة بالفصل والانفصال عن الدعوي منذ إبعاد الوجوه الدعوية مثل الحبيب اللوز والصادق شورو وإبراز العناصر «المعتدلة». فقد بدأ العمل علی الاستراتيجيات التعديلية أو ما يسمى بالتونسة قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة2014 ولم نعد نرى الوجوه الدعوية..
ولا يمكن أن نعزل تكتيكات وممارسات حركة النهضة التونسية عن قرارات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وما يحدث في مصر مع مرسي والمخاظات الحاصلة مع نموذج الاعتدال والوسطية التركي أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذين بانت وكشفت ممارستهم اللامعتدلة مع القضية السورية وما حدث علی الحدود التركية السورية من دعم لتنظيم الدولة الإسلامية واحتواء للملتحقين من الدول العربية والأجنبية، من تونسيين وغيرهم، إن مثل هذه المعارك تفرض التموقع وتكشف بالتالي الخلفيات.. فبانت تركيا مساندة للتنظيمات المتطرفة عندما فرضت الخارطة الجيوسياسية ما كان متوقعا. ومن هنا انتظرنا موقفا من الحركة «التونسية» الممجدة للتجربة التركية « ولم نراه واضحا بينا. لكننا ضمنيا نعرف الخط والتمشي الموالي لتركيا بتاريخها الإخواني وريث الزعيم الإخواني أربكان ووريثه المعتدل أردوغان.عرفنا أدبيات حركة النهضة وخطاباتهم المشيدة بالنموذج التركي المعتدل واستلهامهم منه ولكن بعد أن كشفت الأوراق وقرر إخواننا التونسة :هل من مراجعات معلنة للسير علی خطی هؤلاء؟ هل من تصريح واضح وصريح لانفصالهم عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين خاصة خاصة أننا عهدنا الحركات الإسلامية والسلفية تكتب مراجعات عندما تنوي الانتقال من مرحلة لآخري .وإذا ما حصلت هذه المراجعات ستكون مجسدة للالتزام بهذا التطور.
ان المطالبة اليوم بالمراجعة والالتزام بالسياسي والتخلي عن الدعوى يجب أن لا يكون حبرا علی ورق ومعلنا بعد تحديد الموقف من العدالة والتنمية التركية والإخوان في مصر وغيرها من التنظيمات التي تفرعت عنه كالتنظيمات السلفية..
هل ترمي الحركة اليوم إلى التنصل والانفصال عن الحركات الدعوية والسلفية بعد أن ترعرت واشتد عودها ويقول لنا عفا الله عن ما سلف ؟؟ هل هو صلح الحديبية او صلح رادس بين العلمانيين وأهل الحركة؟ هل أن النهضة ستكون أول مطبقة لتعليمات التنظيم العالمي للإخوان بتقية الانصهار في المدنية والمجتمعات المعاصرة؟

الكاتبة جليلة عمامي
بين المؤتمر العاشر والأوّل تغيّر الخطاب ولم يتغيّر المشروع ....
بداية لابدّ أن أشير إلى أن خطاب الغنوشي لافتتاح المؤتمر العاشر لحركة النهضة والذي استعرض فيه كلّ ما هو ايجابي إن كانت هناك ايجابيات منذ تأسيس الحركة بالاسم الذي تغيّر لمقتضيات السياسي الثقافي في تونس كان خطابا مدروسا بذكاء عملي استثنائي ومن المؤكّد أنّه ذكاء الخبراء الذي من المؤكد أيضا أنّ حركة النهضة تستعين بهم في خطوات مسارها منذ بداية الثورة حتّى أنّ أكثر ما لفت الانتباه هو القول بالفصل بين السياسي والدّيني كخطوة سيعتبرها البعض وهو يدرك ذلك بالتأكيد انقلابا في طبيعة الحركة وقطعها مع كلّ الدعوي الدّيني بهذا الفصل ..

لذلك لابدّ من تحديد الفصل أوّلا :
- هل هو فصل اجرائي مرحلي اقتَضتهُ الظرفيّة السياسية التي تمرّ بها حركة النهضة منذ اعتصام باردو وإخراجها من الحكم ؟
- هل هو فصل انْبنَى على مراجعة حقيقية من خلال دراسة ميدانية شعبية استنتجت من خلالها الحركة أنّ وجودها كحزب إسلامي بات مستحيلا في تونس وعليه إما أن تغيّر مشروعها وتعدّله أو مآلها الزوال لا بفعل السياسي والسياسيين بل بفعل الرفض الشعبي الجماهيري وهي ربّما تدرك أكثر منّا أنّ الحضور اللافت والاستعراض الذي كان في افتتاح مؤتمرها ليس إلا واجهة لإخفاء خوف حقيقي؟
أم هو فصل المراجعة النقدية الذاتية ومن ثمّة التطوّر والمواكبة لوضع تاريخي محلّي ودولي ؟
ثانيا : وهو الأهمّ الفصل والتساؤل حوله لابدّ أن يؤخذ بجديّة اليوم لماذا قال زعيم حركة النهضة في خطابه : الفصل بين الدّيني والسياسي ولم يقل الفصل بين الدّين والدّولة والحال أن أصل الموضوع وأصل المعركة هو الخلط بين الدّين والدولة وليس الخلط بين السياسي والدّيني . لأنّ العمل السياسي الحزبي له قوانينه المشرّعة دستوريّا وله نظامه وشروطه التي تتأسّس عليها الأحزاب والجمعيات والمنظمات بينما الخلط بين الدّين والدولة هو أن يدخل العقدي الديني في ادارة المؤسسات والشأن العام والفضاء العام وهو نوع من تقليص ان صحّت العبارة من مطلق مدنية الدولة والاشتغال على تغيير ثقافة وعقلية المجتمع على المدى الطويل تكون هي الحاضنة لهذا الخلط بين الدّين والدولة وليس الحركة بمعنى آخر تصبح الحركة هي الدولة ، فهذه النقطة في الخطاب وردت ملغمة بنيّة عدم التنازل عن مشروع أسلمة الدولة والرهان هو رهان عمل وزمن بالنسبة للحركة وزعيم الحركة.
لذلك لا أظنّه فصل المراجعة النقدية والانخراط في مرحلة تاريخيّة جديدة تقطع مع المؤتمر التأسيسي الأوّل.

الشاعرة والدكتورة الجامعية آمال موسى:
خطاب احتوائي وأكثر تونسة
يبدو لي إذا ما ابتعدنا عن أسلوب محاكمة النوايا والتركيز بشكل خاص على مضمون الخطاب، فإنه يمكن القول إن السّيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة كان موفقا جدا في خطابه الذي قدمه في افتتاح المؤتمر العاشر للحركة. ومن مظاهر هذا التوفيق أنه خطاب تميز بالهدوء وبالانفتاح على الخصوم ومحاولة الاحتواء الإيجابي حيث وجه تحيّة للاتحاد العام التونسي للشغل واصفا دوره بالمحوري ونحن نعلم التأزم المتواتر الذي عرفته العلاقة بين حركة النهضة والاتحاد العام التّونسي للشغل.
أيضا وجه رسالة مستبطنة للجبهة الشعبية من خلال التقاطع مع موقفها الرافض لظاهرة التداين من خارج وذلك بالدعوة إلى التقليص في اللجوء إلى التداين الخارجي.
كما بدا الخطاب ملتزما سياسيا مع الحكومة عندما طرح مقاربة الحركة للمشاكل الاقتصادية ولظاهرة الاحتجاجات ومعوقات الاستثمار.
النقطة الأخرى الجديرة بالإشارة هي إعلان الخطاب عن التواصل مع عالم الحداثة ومبدأ النقد الذاتي وهو إعلان أيديولوجي الرسالة ويهدف من ورائه رئيس الحركة إلى طمأنة النخب الفكرية الناقدة لفكر الحركة.
آما فيما يخص قضية الفصل بين الدعوي والسياسي فأعتقد أن اتخاذ القرار في حد ذاته خطوة جريئة ومهمة وهي – أي الخطوة- التي ستعطي إشارة الانطلاق لبدء مسار النقد الذاتي. وسلوك الحركة في المستقبل هو الذي سيؤكد مدى الالتزام بهذا الفصل. مع العلم أن العملية ليست سهلة ولا بد من مثابرة ونقد ذاتي متواصل. أي أنه فصل سيكون تدريجيا.
أيضا النقطة المهمة التي أحسنت الحركة عندما توقفت عندها، تتصل بالعزم على الذهاب أبعد في مسار التونسة، ذلك المسار الذي بدأته وتقدمت فيه تحت ضغط استحقاقات المشاركة السياسية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115