بورتريه: مهارة مهذب الرميلي في ملاعبة الدور كالنّرد!

هناك وجوه تمر كأنها لم ترى، وأخرى تتشبث بالذاكرة وتأبى النسيان... كم تتسع الدراما التونسية - حتى وإن كانت موسمية -

إلى وجوه ووجوه من كل شكل ولون ولكن بعضها فقط يملأ الشاشة ويأسر الكاميرا ويشد المتفرج!
ليس وجه مهذب الرميلي وجها عابرا أو زائراأدوار درامية هو الأثر الباقي كالوشم بعد كل ظهور في أدوار درامية مؤثرة لدى المشاهدين ومحركة للأحداث.
هو القادم من المدرسة الأولى والكبرى: المسرح. وهو الوافد على الدراما التلفزية بعتاد أب الفنون وزاد الفن الرابع الذي لا ينضب. ومن خبر قسوة الخشبة وحلاوتها ووجع الركح وأحلامه ، لا يمكن إلا أن يكون ممثلا صادقا ومبدعا ومبهرا أمام نفسه حتى قبل جمهوره.
ليس ذنب مهذب الرميلي أن الجمهور العريض لم يشاهده يصول ويجول على ركح المسرح في «برج الوصيف» أو «ليالي البوقرعون»... ولم يتعرف عليه عبر الشاشة الكبيرة في أفلام «هز يا وز» و»على كف عفريت» ... بل عرفه الناس بفضل الشاشة الصغيرة وهو يحبس أنفاسهم في دور «فتحي» في مسلسل «نوبة» لعبد الحميد بوشناق ثم في دور «فوزي» أو «الصاروخ» في مسلسل «حرقة لأسعد الوسلاتي على وجه الخصوص.
من الجميل أن مهذب الرميلي في كل وجوهه المسرحية والسينمائية والتلفزية... يجدّد ملامحه ويغيّر سماته بفضل موهبة دفينة في تقمص الأدوار وارتداء الشخصيات كالثوب على المقاس.
في آخر أعماله التلفزية الرمضانية، امتطى مهذب الرميلي في مسلسل «حرقة» صهوة الإبداع ليطلق العنان إلى فائض من الانبهار والإعجاب بكل هذه القدرة على تشكيل الانفعالات والمواقف بمنتهى المرونة والحرفية كقطع الصلصال.
كانت سمرة وجه «صاروخ» في مسلسل «حرقة» في لون الحنطة التي أنضجتها أشعة الشمس في رحلات ذهاب وإياب أمضاها صاحبها على متن قوارب الموت. هو صاحب الجسد الذي يجيد التعبير بالحركات والإيماءات عن الحزن والفرح، الألم والأمل ... أما عيناه فكانت أكثر ما في وجهه تعبيرا وتأثيرا، وهي التي تبدو حارقة كالجمر وهي تنفث حمم الغضب أحيانا وتبدو في أحيان أخرى وديعة كعيون الأطفال وبريئة البريق كمرور قوس قزح من سماء صافية.
هي الشخصية البسيطة والمعقدة ، الثائرة والمستسلمة في آن واحد. وهو الرجل الذي يحمل تركيبة خاصة من كل شيء متجانس وغير متجانس. كان مهذب الرميلي «صاروخ» مسلسل «حرقة» بامتياز الذي حلّق بهذا العمل إلى سقف عال من المتعة والنجاح. إنه «الحرّاق «الذي حرق كل الأوراق المزيفة وأثبت أن الفنان يجب أن يكون حقيقيا أو لا يكون !
أوشك الموسم الرمضاني على الانتهاء، وتم ترشيح إلى جائزة أحسن ممثل أسماء وأسماء.. وليس مهذب الرميلي سوى واحد من هذه الأسماء. ولكن مهذب الرميلي لا يعنيه هذا السباق وهذا التصنيف ويكتفي فخرا بشهادة جمهوره وأساتذته المختصين على غرار فتحي العكاري ويقول:
«ويسألونني، بعد شهادتكم،
عن الجائزة، عن المرتبة
ألا يعلمون أنّي بكلماتكم نِلتُ المُنى؟
وأنّي أراني صغيرا صغيرا... بحجم السّماء
صغيرا أمامكم مُعلّمي
كبيرا أمام الأغبياء
  
لهم مجاريهم وقنواتهم
ولنا جماهيرنا وقاماتنا»

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115