أو إيهامه بأنه أمام عمل كوميدي يرسم البهجة والبسمة على كل الشفاه المتعبة !
وفي الوقت الذي تكتظ فيه الشاشات التونسية بسلسلات كوميدية حديثة الإنتاج يهرع الكثير من المشاهدين إلى إعادة الفرجة على «شوفلي حل» للمرة الثالثة أو العاشرة أو أكثر! والسبب في ذلك بسيط وهو أنّ البسمة انعدمت في سلسلات رمضان 2021 ولم تبق سوى سلسلة «شوفلي حل» بلسما للروح وبهجة للنفس.
لم تغب السلسلات الكوميدية عن شاشة جلّ القنوات بل إن بعض القنوات الخاصة لم تراهن سوى على هذه الأعمال لدخول السباق الرمضاني. وبدورها أنتجت التلفزة التونسية سلسلة «عيشة فل» من باب التنويع في الإنتاجات وإرضاء مختلف الأذواق. فهل جاءت هذه السلسلة وفيّة لمفهوم الكوميديا وتقنياتها أم سبحت ضدّ تيارها؟
يقول صمويل جونسون: «اختلف الناس في الطريقة التي يعبّرون بها عن حكمتهم، ولكنهم اتفقوا على الطريقة التي يضحكون بها»... ويبدو أن سلسلة «عيشة فل»التي تبثها القناة الوطنية الأولى لم تحظ بالإعجاب أو شغف المتابعة.
«عيشة فل» كتبها أسامة عبد القادر وأخرجها محمد علي سعيدان وعبد العزيز الحفظاوي ولعب أدوارها ممثلون لهم وزنهم في الساحة على غرار سفيان الداهش و سماح السنكري وخالد بوزيد ومراد بن نافلة ولطيفة القفصي وجمال المداني وتوفيق البحري... إلا أنها لم تكن بحجم انتظارات الجمهور والآمال المعلقة عليها !
لقد حاولت سلسلة «عيشة فل» أن تتطرق إلى يوميات الأسرة التونسية في ظل الواقع الراهن ونسيج العلاقات الاجتماعية ووطأة الأزمات المعاصرة على غرار وباء كورونا... لكنها لم تعثر على مفتاح الدخول إلى بيوت التونسيين وإضحاكهم وشد انتباههم...
إن المبالغة في جعل الممثل خالد بوزيد صاحب أسنان قبيحة وغريبة أو دفع الفنان مراد بن نافلة على «المصمصة» بفمه في أصوات مقززة، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقتلع الابتسامة من شفاه المتفرجين بل على العكس قد يصبح تأثيرها عكسيا ودون المنشود.
إن العمل الكوميدي يجب أن يقدم رسالة قوية ومؤثرة وأن يحترم ذكاء المشاهد دون إسفاف أو ابتذال أو استسهال... أما السذاجة المفرطة في تصوير الشخصيات وتقديم الأحداث إلى حدّ البلاهة، فإنها تشوّه الكوميديا ولا تخدمها.
هربا من تراجيديا الحياة حولنا في التفاصيل اليومية والشأن العام، يحاول المتفرج أن يعثر على جرعة كوميديا في أعمال تصف نفسها بالكوميدية لكنها يتورط في مشاهد من السخف والاستهتار والتعسف على فن الإضحاك.
هذا الإخفاق للأعمال الكوميدية عموما يفسره عدم تجرؤ القنوات التلفزية نفسها على إعادة بث إنتاجاتها وعدم بقاء هذه العناوين في ذاكرة المشاهد ، فتنسى كأنها لم تكن !