باب القرآن: فلا كاشف له إلاّ هو (1)

من النظائر القرآنية ما جاء في الآيتين التاليتين:

الأولى: قوله تعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير" الأنعام:17.

الثانية: قوله عز وجل: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم" يونس:107.
ورد جواب الشرط الثاني في الآية الأولى بقوله سبحانه: "فهو على كل شيء قدير" في حين ورد في الثانية بقوله تعالى: "فلا راد لفضله". وقال تعالى في آية الأنعام:"وإن يمسسك" بينما قال سبحانه في آية يونس: "وإن يردك". وخُتمت آية الأنعام بإثبات صفة القدرة له سبحانه، بينما خُتمت آية يونس ببيان صفتي المغفرة والرحمة له عز وجل، ومن ثم اجتمعت ثلاثة أسئلة تتعلق بتوجيه الفوارق الثلاثة بين هاتين الآيتين الكريمتين.

وقد أجاب ابن الزبير الغرناطي عن هذه الأسئلة الثلاثة بما حاصله:
الجواب عن السؤال الأول: أن مدار آية الأنعام على أنه سبحانه المنفرد بالخلق والاختراع، والمتصرف في عباده بما يشاء، والقدير على كل شيء، ونفى هذه الصفات عمن سواه سبحانه، ومناسبة هذا لما افتتحت به سورة الأنعام من قوله تعالى:"الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور"الأنعام:1 وقوله سبحانه: "هو الذى خلقكم من طين" الأنعام:2 وقوله عز وجل: "وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" الأنعام:3 وقوله فيمن أهلكه من القرون بكفرهم: "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين" الأنعام:6 وقوله سبحانه: "قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله" الأنعام:12 وقوله تعالى: "قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض" الأنعام:14.

فدارت هذه الآيات كلها على التعريف بوحدانيته تعالى، وانفراده بخلق الأشياء وملكها وقهرها، ولم يقع فيها تعرض إلى أن أحداً من خلقه يمنع، أو يدفع، أو يتفرد بأمر شيء من الخلق، وإن كان قد يفهم بعض ذلك في أثناء الكلام من مثل قوله عز وجل: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" الأنعام:1 وقوله سبحانه: "قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض" الأنعام:14.

بل إن فحوى هذه الآيات يفيد أن المشار إليهم بمخالفة مقتضاها، أخلدوا إلى ما هم فيه من التنكر لخالق السموات والأرض ومدبر أمرهما وما فيهما، وأشبهوا البهائم في البعد عن النظر في خلق الله، وكأنهم يرون أن الأفعال وما في العالم من المدركات المشاهدات من الأجسام والأعراض على كثرة تنوعها وتعددها، واختلاف جوهرها وأشكالها، وُجدت بأنفسها لا عن فاعل تقدمها، أوجدها بالقدرة والاختيار، بل تكونت بأنفسها، فقوبل فعله وموقفهم بالتعريف بقدرته تعالى على كل شيء، وأنه الموجد لما في العالم العلوي والسفلي، فجاء الخطاب السماوي للنبي صلى الله عليه وسلم وللناس أجمعين: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو"؛ إعلاماً بأن ما يقع في هذا الكون فمنه تعالى؛ لأنه المنفرد بالخلق، والقدير على كل شيء. فهذا حاصل ما تقتضيه آية الأنعام.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115