تقديم الكتاب الجديد للسيد الحبيب رمضان: «تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس في زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال 1921 - 1963»

بقلم:المنصف باني

أستاذ باحث بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، جامعة منوبة


بداية أتوجه بالشكر إلى زميلي الحبيب القزدغلي أستاذ التاريخ المعاصر ومدير مخبر البحث حول التراث بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة والسيد الحبيب رمضان مؤلف هذا الكتاب على ثقتهما وإعطائنا فرصة تقديم هذا المؤلف الجديد وهو لا يزال في صيغته الرقمية قبيل صدوره ورقيا عن دار محمد علي للنشر غدا الاثنين 22 مارس ليكون جاهزا خلال الندوة العلمية والفكرية التي تفتتح يوم الثلاثاء 23 مارس 2021 بمدينة الثقافة بتونس العاصمة ضمن تظاهرة مئوية انبعاث أول نواة للنشاط الشيوعيّ بالبلاد التونسية. وأشكر مؤلف الكتاب على هذا المجهود الفكري الكبير الذي ما فتئ يبذله للتعريف بنشطاء الحركة الشيوعية في تونس. وأنوّه بالدور الكبير لمؤسسة روزا لوكسمبورغ المكتب الأكاديمي بتونس لدعم الإنتاج والأنشطة العلمية للتعريف بتاريخ الحركة الشيوعية واليسارية عموما ونشطائها في تونس حفظا للذّاكرة الفرديّة والجماعيّة.

يندرج هذا الكتاب في إطار البحوث والدراسات التي تهتم بالتراجم أو ما يعرف بالسير والبيوغرافيا (biographies). وتجدر الإشارة إلى أنّ حقل التّاريخ الاجتماعي شهد خلال العشريتين الأخيرتين داخل الوسط الأكاديمي اهتماما متزايدا بكتابة التّراجم ضمن توجّه فكريّ يهدف بالأساس إلى التّعريف برموز الحركة الوطنية التونسية التي نشطت ضمن أطر مختلفة سياسيّة ونقابيّة وطلّابيّة خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي (1881 - 1956). ولمزيد التّوسّع في هذا المبحث اهتمّ الباحثون في العلوم الإنسانية والاجتماعية بفترات تمتدّ على التّاريخ القريب وتاريخ الزّمن الرّاهن وأشير في هذا الإطار إلى الأعمال الّتي أنجزها عدد من الأساتذة الباحثين بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر بجامعة منّوبة حول «تراجم النّاشطين في الحركة الطلابية التونسية (1910 - 1998)» الصّادر سنة 2014 للأستاذ محمد ضيف الله وكتاب «مواقع من الذّاكرة الوطنيّة (تونس 1881-2014)» الصّادر سنة 2018 لمجموعة من الأساتذة الباحثين بالمؤسّسة الجامعية المذكورة. وقبل ذلك وبالعودة إلى منتصف الثّمانينات صدر سنة 1985 للباحثة التّونسيّة المؤرخة الأستاذة «جوليات بسّيس» (Juliette Bessis) كتاب حول «تراجم الإطارات النّقابيّة بالبلاد التّونسيّة زمن الاستعمار» (Les fondateurs, Index Biographiques des cadres syndicalistes de la Tunisie Coloniale) .

وبعد كتابه حول المناضل الشّيوعيّ الفرنسيّ «جون بول فينيدوري» (Jean-Paul Finidori)، الصّادر في أكتوبر 2018 يواصل السيد الحبيب رمضان نفس الاهتمام بمسيرة الأفراد لكن هذه المرة في صيغة الجمع عبر كتاب «تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات عهد الاستقلال (1921 - 1963)»، عن دار محمد علي وبالشّراكة مع مؤسّسة روزا لوكسمبورغ، مكتب التعاون الأكاديمي بتونس. وهذا الكتاب يندرج عموما ضمن سياق كتابة السّير الّتي أصبحت مجالا لإعادة الاعتبار للفرد ودوره في بناء التّاريخ ومدى إسهامه كفاعل اجتماعي في إطار العلاقة الجدليّة بين المسارات الفرديّة والجماعيّة. وإنّ هذا الكتاب الذي جاء في416 صفحة عبارة عن «قاموس بيوغرافي طريف»، كما يصفه الأستاذ الحبيب القزدغلي الّذي خصّه بمقدّمة (ص. 7 - 15) أتى فيها على خصوصيّة الكتاب وقيمته العلميّة في حقل التاريخ الاجتماعي خاصّة في ما يتعلّق بتاريخ الحركة الشّيوعيّة في تونس مبرزا أهمية الخوض في مسيرات جزء من الشخصيات التي ساهمت بشكل أو بآخر في ذاكرة جماعية تونسية حان وقت لم شملها وتجاوز تشتتها. ويتضمّن الكتاب أيضا توطئة (ص. 17-23) وقسما أوّل خاصّا بتراجم 300 من نشطاء الحركة الشّيوعيّة والوطنية ومناضليها من قيادات ومناضلين قاعديين وأطر محلية من نساء (26 امرأة تونسية وفرنسية وإيطالية) ورجال في تونس خلال الفترة المدروسة انحدروا من جنسيات وأصول متنوعة ومختلفة تونسية (184) وفرنسية (85) وإيطالية (28)

وإسبانية (02) وجزائرية (01). واعتمد الكاتب في ترتيبها النّظام الأبجديّ حتى يسهل الاطّلاع على مضمونها (ص. 25-323). وتناول المؤلف في قسم ثان محطّات من تاريخ الحركة الشّيوعيّة بتونس في زمن الاستعمار الفرنسي وبدايات الاستقلال مذكّرا من ناحية ببداية انخراط التّونسيّين في الحركة الشّيوعية عبر منهجيّة كرونولوجية تمتدّ من 1919 إلى 1963 (ص. 325 - 355). وأما القسم الثالث فقد خصصه المؤلف لقيادات الحركة الشيوعية بتونس بين 1921 و1956 ص. 356-358). وخصص قسما رابعا من الكتاب للمنظمات والجمعيات والهيئات التي نشط فيها الشيوعيون خلال عهد الحماية بتونس وفرنسا (ص. 360 - 380). كما تمّ تخصيص قسم رابع للصحف والمجلات التونسية ذات التوجه الشيوعي أو القريب من الحزب الشيوعي التونسي خلال الفترة الاستعمارية وبدايات الاستقلال (ص. 382 - 383). وما نلاحظه من خلال محتوى الكتاب أنّ مؤلفه بذل جهدا كبيرا في الجانب التوثيقي لإنجاز هذا العدد الكبير من التراجم ورغم صعوبة البحث في هذا الصنف من الأعمال بسبب المعوقات الناجمة عن ندرة المادة المصدرية المكتوبة أساسا فقد

حرص على تنويع مصادره ومراجعه العامة والخاصة بالحزب الشيوعي التونسي وكان صارما وناجحا في كيفية استثمار الكم الهائل من المعلومات حول نشطاء الحركة الشيوعية في تونس بين 1921 1963. وعموما يوفّر هذا الكتاب مادّة غزيرة لها صبغة تاريخيّة موضوعيّة وأثبتت البحوث الواردة فيه مدى دسامة وثراء محتواه من خلال سعي الكاتب إلى تقديم التفاصيل الدقيقة للتراجم التي ترسم ملامح هذا العدد الكبير من نشطاء الحركة الشيوعية في تونس على مدى عقود وضمن ما يمكن أن نطلق عليه «التاريخ المجهريّ». وفي نظرنا ليس الهدف من هذا العمل تاريخ الأشخاص في حدّ ذاته بقدر ما هو تاريخ البشر والنّخب الاجتماعية والسياسيّة الفاعلة والمتفاعلة في تاريخ تونس المعاصر بصفة عامة، وهنا تكمن طرافة هذا العمل وجديته ورهاناته الكبيرة. وهو يمثّل في نظرنا إضافة علميّة ومعرفيّة قيّمة في التّاريخ الاجتماعيّ التّونسيّ من شأنها أن تساهم بصفة كبيرة في إثراء المكتبة التاريخية التّونسيّة وفي مزيد التعمق في دراسة هذه النماذج من النخب الاجتماعية في المستوى الأكاديمي على وجه الخصوص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115