يلوح لنا بصيص أمل من حين إلى آخر في جزء ولو ضئيل من برمجة هذه التلفازات العابثة بالعقول والضاحكة على الذقون.
منذ فترة، سخّرت قناة «التاسعة» شاشتها لعرض أفلام تونسية حتى يصل الفن السابع من وراء الشاشة الصغيرة إلى الجمهور العريض. فمن المؤسف أن أغلب ولايات الجمهورية تفتقر إلى قاعة سينما، ومن المخجل أن يُحرم سكانها من متعة مشاهدة الأفلام على الشاشة الكبيرة !
من البديهي أن تكون التلفزة التونسية العمومية الأولى سبقا في بث الأفلام والأكبر مسؤولية في نقل مختلف الأعمال الفنية بالمقارنة مع القنوات الخاصة. لكن كثيرا ما تسقط القناة الوطنية بشاشتيها الأولى والثانية في تكرار بث الأفلام نفسها واجترار العناوين ذاتها، وكأن السينما التونسية لم تأت سوى بهذه الانتاجات وكأن بحبل الإبداع انقطع بعد تصوير هذه الأفلام !
في المقابل، تبدى قناة «التاسعة» عناية خاصة بانتقاء الأفلام التونسية التي تُعرض على شاشها مساء كل سبت. فبعد عرض فلم «دشرة» حديث الصدور وكثير التتويج، وفلم «صباط العيد» الحائز على عديد الجوائز.... كانت المفاجأة في سهرة السبت 15 جانفي 2021 بعرض فلم «رقصة النار (حبيبة مسيكة)» للمخرجة سلمى بكار والذي يعود إنتاجه إلى سنة 1995.
مما لا شك فيه أن فلم «رقصة النار (حبيبة مسيكة)» نال شهرة واسعة وكان له صيت منقطع النظير، ولكن كثيرين لم يشاهدوا هذا الفلم فمنحتهم شاشة «التاسعة» هذه الفرصة وهذه المتعة. اهتمت كاميرا سلمى بكار بالسنوات الثلاث الأخيرة في حياة الفنانة حبيبة مسيكة، فجاء الفلم صادقا ووفيا لشخصية حبيبة مسيكة وفنها وروحها...
بعد أن قضت سلمى بكار 10 سنوات من عمرها في القراءة والبحث عن تفاصيل حياة حبيبة مسيكة والبحث عن معاصريها والمقربين منها وحتى مصممي أزيائها في الخارج... جاء الفلم مؤثرا وكأنه قطعة من الواقع وكأننا بحبيبة مسيكة فعلا هي من تتحرك أمامنا وتغني وترقص....
من الطريف أن المخرجة سلمى بكار استعارت اسم عرض فني قدمته حبيبة مسيكة في العشرينات تحت عنوان «رقصة النار» لتسم فلمها الشهير. هي النار التي رقصت حولها حبيبة كالفراشة على ركح المسرح ، وهي النار ذاتها التي احترقت بها حتى الموت ! لقد كانت الفنانة الجميلة والفاتنة والمناضلة من أجل الحرية تشعل لهيب الحب في قلوب عاشقة لها ولفنّها...ولكنها لم تكن تعلم أن نار الهيام استبدت بعاشقها اليهودي « إلياهو ميموني » فقتلها حرقا بالنار !
لقد صوّرت المخرجة والمناضلة من أجل الحريات سلمى بكار الفنانة حبيبة مسيكة المتشبعة بحقوق المرأة وحريتها بمنتهى الشغف والإبداع... فكان فلمها عن فنانة راقصت النار حتى حتفها الأخير تخليدا لذكرى حبيبة مسيكة العصية عن النسيان والموت.