لأن هذا الأثر في نظره أكبر من مجرد كتاب بل هو موسوعة أنثربولوجية وأدبية وفلسفية لمسار تطور الفكر الغربي كله، وصولا إلى الرومنطيقية في أواخر القرن 19. إنه مرجع عن «نشأة الرومنطيقية في حضن الفلسفة، لتتسع فيما بعد لتعم الأدب. وتصل إلى العلوم، لتصبح هوية فكرية وأدبية ومعرفية وعلمية في ذلك القرن».
«الإنسان الرومنطيقي» كتاب شهير للفيلسوف والإبستمولوجي الفرنسي جورج غوسدورف، وقد قام بترجمته محمد آيت ميهوب وراجعه محمد محجوب لتصدر نسخته العربية عن معهد تونس للترجمة ودار سيناترا للنشر سنة 2018.وبفضل هذه الترجمة فاز محمد آيت ميهوب بجائزة الشيخ زايد للترجمة 2020.
جمعية الدفاع عن القيم الجامعية:
تناقضات منهجية خطيرة
في ترجمة الكتاب
على يد المترجم التونسي محمد آيت ميهوب تكلم «الإنسان الرومنطيقي» بالعربية، فحظيت هذه الترجمة بترحاب واسع في تونس وخارجها لقيمة هذا الكتاب المرجع أدبيا وفلسفيا وفكريا... إلا أنّ «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية» لا ترى في هذه الترجمة إضافة علمية وفكرية بل تضعها محل تشكيك وريبة!
في رسالة وجهها إلى معهد تونس للترجمة عبر صفحات مجلة «ليدرز»، دعا رئيس الجمعية الحبيب ملاخ بصفته إلى إعادة النظر في ترجمة كتاب « الإنسان الرومنطيقي» لجورج غوسدورف بسبب مواطن خطإ ومواضع خلل.
وجاء حكم رئيس «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية» عن النسخة العربية لكتاب الإنسان الرومنطيقي بناء على مقال نقدي منشور بصحيفة إلكترونية (دون ذكر صاحب المقال أو اسم الصحيفة). وقد ورد في رسالة حبيب الملاّخ إلى معهد تونس للترجمة ما يلي :» كشف التقييم النقدي للترجمة، بالاعتماد على أدلة قاطعة، عن التناقضات المنهجية الخطيرة والأخطاء الجسيمة التي لا تحصى ولا تعدّ والتي تعكس الجهل التام لمفاهيم ولمصطلحات ولعبارات مستعملة في الإصدار الأصلي للكتاب.
كما أبرز التفسيرات المعاكسة للمعاني الأصلية وثغرات كبيرة في الثقافة العامة، مما أدّى إلى معلومات تكميلية خاطئة أوردها المؤلف في الحواشي قصد تقديم فلاسفة وكتّاب وفنانين ذكرهم غوسدورف. وفي المحصّلة بدا العمل الأصلي، من خلال ترجمته إلى العربية، مشوّها وغير مفهوم إلى حدّ كبير».
ولئن اعتبرت «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية» أنّ «أوجه القصور التي تُشين الترجمة المنشورة لا تليق بمُؤسّسة عموميّة منتمية للحقل الأكاديمي...»، فإنها دعت في المقابل معهد تونس للترجمة إلى «تحمّل مسؤوليته باتّخاذ كلّ الإجراءات الضرورية لإيقاف توزيع الترجمة لو قضت بذلك لجنة مستقلة تُنشَأُ على وجه السرعة للبت في المسألة».
معهد الترجمة:
النقد يكون على أسس علمية
لا على أحكام انطباعية
لئن صدرت ترجمة كتاب «الإنسان الرومنطيقي» في عهد إدارة توفيق العلوي لمعهد تونس للترجمة ، فإن المديرة العامّة الحالية للمعهد زهية جويرو قامت بالرد على رسالة «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية» دفاعا عن مكانة المعهد وسمعة المترجمين التونسيين.
وقد جاء في هذا الرد ما يلي: «سارع الأستاذ حبيب الملاّخ بتوجيه هذه الرسالة بصفته رئيس «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية»، وهذا تصرف محمود يحسب له ويشكر عليه إذ يتنزّل الدفاع عن المستوى العلمي وعن الالتزام بشروط المعرفة في صلب الدفاع عن القيم الجامعية، إلا أننا نتساءل ألا تقتضي القيم الجامعية أن يبنى النقد والحكم على منشور على اطلاع شخصي وموضوعي يستند إلى معايير علمية دقيقة، وليس على المصادقة على أحكام أصدرها آخرون قد تكون مجانبة للموضوعية؟ ألا تقتضي القيم الجامعية التثبت من التقييمات التي تصدر حول منشورات قبل المصادقة عليها؟ وقد ذكر الأستاذ حبيب الملاّخ بصريح العبارة أنه يوجّه هذه الرسالة بعد اطلاعه على تقييم نقدي للكتاب لم يحل عليه صراحة، ولكن نعرف أنه يشير إلى تقييم السيد «خليد كدري» في مقال صادر بنشرية الأوان بتاريخ 18 /12 /2020 ، و كاتب المقال هذا هو أستاذ ومترجم مغربي لم يتفطن هو الآخر إلى نقد الترجمة العربية لكتاب»الإنسان الرومنطيقي» إلا بعد أن فازت هذه الترجمة بجائزة الشيخ زايد للترجمة لسنة 2020 ، وهي جائزة كان هذا المترجم المغربي بدوره من المترشحين لها بأحد ترجماته ، مما يدعو إلى الحذر المبدئيّ في التعامل مع حكمه ، فما بالك بالمسارعة إلى المصادقة عليه باسم جمعية تدافع عن القيم الجامعية؟».
وقد ترّفعت المديرة العامة لمعهد تونس للترجمة عن الردّ على «التهم» العلمية الموجهة إلى هذه الترجمة لاعتبارين، أولهما أن الردّ على هذا الجانب راجع في المقام الأول إلى المترجم والمراجع ولهما سديد النظر في الردّ عليها. أما الاعتبار الثاني فمرجعه أن معهد تونس للترجمة يعمل بواسطة مجلس علمي ولجان علمية هي التي يعهد إليها بالنظر في هذه المسائل». في المقابل أكدت الدكتورة زهية جويرو أن «معهد تونس للترجمة لن يتوانى عن مراجعة أي عمل ينشره عندما يثبت بالدليل العلمي أن فيه من الأخطاء ومن وجوه الخلل الثابتة ما لا يليق بالمعهد ولا بالجامعة والجامعيين التونسيين»...
في ختام ردها المطول على رسالة «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية»، أكدت الدكتورة زهية جويرو أنّ معهد تونس للترجمة أصبح يعتمد منذ الآلية التي يضبطها القانون 2018 في التعاون مع المترجمين والتي تقوم على نشر استشارة في وسائل الإعلام وعلى حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة المترجمين إلى التقدّم بترشّحاتهم. ويتمّ النظر فيها من قبل لجنة علمية وفقا لمعايير موضوعية مصرّح بها تجمع بين خبرات المترشحين وكفاءاتهم وتجربتهم في مجال الترجمة والاختصاص الذي ينتمي إليه الكتاب المزمع ترجمته».
«الإنسان الرومنطيقي» والفوز بجائزة الشيخ زايد للترجمة 2020
من بين 170 عملا مترجما ترشح لجائزة الشيخ زايد للترجمة 2020، كان التتويج بهذه الجائزة من نصيب كتاب «الإنسان الرومنطيقي»، الذي ترجمه الدكتور محمد آيت ميهوب من الفرنسية إلى العربية. وما بين هذا الكتاب ومترجمه علاقة متينة تتجاوز مجرد الترجمة الصرفة والتعامل العلمي البحت ،فقد افتتن محمد آيت ميهوب بـ «الإنسان الرومنطيقي» منذ أن كان طالبا بقسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة منوبة وقرأه عشرات المرات بشغف لا ينتهي وظمأ لا يرتوي ! يقول محمد آيت ميهوب: «تمنيت لو كنت مؤلف كتاب «الإنسان الرومنطيقي» لا مترجمه»!
نطق «الإنسان الرومنطيقي» بالعربية بعد أن قضى مترجمه سنوات طويلة من عمره في تعريب هذا الكتاب ما بين النقل والتحري حتى يكون وفيّا للنص في لغته وأفكاره وروحه... وبالرغم من ذلك لم يسلم من النقد حسب انطباع «الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية» والذي قد يفيد الترجمة إن كان علميا ودقيقا ولكنه سيضر من سمعة تونس العلمية ويشكك في قيمة مترجميها إن كان تجنيا مجانيا.
بعد تواصل عميق مع فكر الفيلسوف جورج غوسدوف عبر الوسيط «الإنسان الرومنطيقي»، يؤكد محمد آيت ميهوب «أن الإنسان الرومنطيقي لم يمت كما يروج بعض الفلاسفة فهو لازال يعيش بيننا وحاضر في كل المواقف. هو المتمرّد باسم الذات ضدّ المعيشة، الرافض للسلطة، المحب للحياة والطبيعة، الرافض لكل أنواع الظلم فالرومنطيقي هو الإنسان الناصر لقيم العدل والمساواة».