من الخارج كما الداخل، تبهر هذه الكاتدرائية أو «أكروبليوم قرطاج» زائريها بمعمار فريد وتزويق عجيب ورسوم بديعة نقشتها هويات أسرها هوى قرطاج. وللحفاظ على بقاء هذه الآثار الكاثوليكية بالبلاد التونسية، وجدت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية نفسها مجبرة اليوم على التدخل لإيقاف خطر يهدد معلم «أكروبوليوم قرطاج».
بعد استرجاع وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية لمفاتيح أكروبوليوم قرطاج على إثر انتهاء الآجال القانونية للزمة استغلال هذا المعلم، راجت شائعات وتأويلات مجانبة للصواب حسب الوكالة التي قامت بدورها بتوضيح كل تفاصيل هذا الموضوع استنادا على أحكام قانونية ومعاينات مباشرة.
تطبيق حكم استعجالي بإخلاء المعلم
منذ حوالي 30 سنة ظل أكروبوليوم قرطاج تحت تصرّف مستغل واحد لم يتغيّر، وذلك بموجب التمديد في مدة اللزمة في كل مرة. ولئن نجح هذا المستغل في تحويل هذا المعلم إلى منارة إشعاع ثقافية وسياحية بإمتياز، فإن وكالة إحياء التراث والتنمية والثقافية وجدت نفسها مضطرة إلى تطبيق القانون واسترجاع معلم الكنسية ولو بالقوة تنفيذا لحكم استعجالي في الغرض وإنقاذا لأكروبوليوم قرطاج بعد تدخلات عشوائية تستوجب تدخل المختصين.
عن تفاصيل ملف أكروبوليوم قرطاج منذ بداية استغلاله إلى اليوم، أفادت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بما يلي :» يستغلّ السيّــد مصطفى العقبي بصفته الشخصية وكوكيل لشركة «Productions du Faune» معلم كنيسة الكاتدرال المعروفة بالأكروبوليوم بقرطاج بيرصة بمقتضى اتفاقية مؤرّخة في 09 /10 /1992. تم اعتماد تاريخ 26 /10 /1996 كبداية سريان اللزمة التي مدتها عشر سنوات.ثم تمّ التمديد لمدة ثلاث سنوات أخرى لغاية 2009 ومنح تخفيض بـ 30 % لمعلوم اللزمة بطلب منه وبموافقة الوزارة، إلاّ أنه لم يغادر في نهاية المدة و تم إبرام ملحق تعديلي ثان تم بمقتضاه تمديد اللزمة إلى غاية 31 /12 /2010 .
وتم التنبيه عليه بالخروج لانتهاء المدة لاستيفاء حقه قانونا في التمديد ورغم ذلك لم يغادر، فلجأت الوكالة والأطراف المتعاقدة لرفع قضية ضده،في مرحلة أولى لم تصدر الأحكام لفائدة مانح اللزمة لخلل شكلي ثم تم إعادة التنبيه عليه ،منذ سبتمبر 2018 ، بالخروج في 31/ 12 /2018، و خلاص ما تخلد بذمته من معاليم اللزمة باعتبار انه رغم كل شيء واصل
استغلال المعلم بوجه غير قانوني وأمام إصرار السيد مصطفى العقبي على عدم المغادرة وتسليم المعلم رفعت الوكالة قضية استعجالية ضده و ضد الشركة التي يمثلها و صدر الحكم في 29 /11 /2019 بإلزامه بالخروج من فضاء معلم الكنيسة لانتهاء المدة».ثم تمّ التوصّل إلى اتّفاق بالصّلح ممضى بتاريخ 26 /08 /2020 يلتزم فيه صراحة صاحب اللّزمة بخلاص المتخلّدات التي بذمّته وفق أقساط تمّ الاتّفاق عليها في شأن مبلغها وتاريخ تسديدها من جهة، ومن جهة إمهاله لمدة إضافية والخروج من المعلم في 31 /12 /2020 وتسليمه شاغرا من كلّ الشّواغل».
وفي بيان إلى الرأي العام أوضحت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية أن «الوكالة لم تتمكن من استخلاص الديون المتخلدة بذمة مستغل المعلم إلا بعد سنوات عديدة وبعد صدور حكم وإبرام اتفاقية الصلح معه، باعتبار وجود نزاع منشور لدى القضاء، حتى أنه قام بخلاص القسط الثالث والأخير بصفة متأخرة بعد التنبيه عليه بضرورة الخلاص».
تدخلات عشوائية أضرت بالمعلم التاريخي
لئن يبدو الاختلاف بين وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والمستغل السابق لمعلم أكروبوليوم قرطاج في ظاهره قانونيا وإجرائيا، فإنه في باطنه أكبر من مجرد انتهاء الآجال القانونية لـ»اللزمة» والحكم بخلاص مستحقات الوكالة. فهذه الكنسية التي تحتل القمة في شموخ وبهاء منذ عصور، باتت مهددة اليوم في وجودها «نتيجة التدخلات العشوائية العديدة دون التنسيق مع مصالح المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، وكذلك لعدم القيام بالصيانة اللازمة لسنوات عديدة وفق ما يقضيه عقد اللزمة».
في هذا السياق، أفادت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية أنها قامت باستصدار إذن على عريضة في تعيين 03ثلاثة خبراء مهندسين لمعاينة الحالة الإنشائيّة لمعلم أكروبوليوم قرطاج الذي كان عرضة لعدد من الإخلالات سواء أكانت ظاهرة للعيان أو خفية. وذلك حتى تقوم الوكالة بترميمه وصيانته وتهيئته بالتنسيق مع المعهد الوطني للتراث، على ضوء تقرير الخبراء العدليين وخبراء المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية».
بعد انتهاء أشغال الصيانة والترميم بأكروبوليوم قرطاج، من المنتظر أن تعلن الوكالة عن طلب عروض جديد لاستغلال الكنيسة في إطار لزمة وفقا لكراس شروط جديد ودقيق يضمن المحافظة على سلامة المعلم واتخاذ كافة الاحتياطات لاحترام الوفاء بالتعهدات الفنية والمالية.
أكروبليوم قرطاج في سطور
كاتدرائية القديس لويس أو كاتدرائية قرطاج وتعرف أيضا بالأكروبليوم، هي كاتدرائية كاثوليكية تقع على ربوة بيرصة في قرطاج. تم بناؤها بين 1884 و1890 زمن الحماية الفرنسية على تونس بجانب مصلى يرجع بناؤه إلى سنة 1840. سميت الكاتدرائية باسم لويس التاسع ملك فرنسا، الملقب بالقديس لويس والذي توفي في قرطاج أثناء الحملة الصليبية الثامنة سنة 1270. أصبحت الكاتدرائية في أواخر القرن التاسع عشر مقرا لجاثليق إفريقيا الكاردينال لافيجري الذي أصبح راعيا لأبرشية قرطاج عند إنشائها سنة 1881، والذي لعب دورا كبيرا في حملات التبشير الفرنسية في أفريقيا. احتضنت الكاتدرائية سنة 1930 المؤتمر الأفخارستي بقرطاج. تبلغ مساحة الكاتدرائية، التي يطغى على طرازها المعماري، الطابع القوطي والبيزنطي، 1200 متر مربع. لم تحتضن الكاتدرائية أي مراسم للعبادة وقد أصبحت منذ سنة 1993 فضاء ثقافيا وسياحيا تحت اسم الأكروبوليوم.