منبــــر: «غبطة الجوار» أو في فن الديبلوماسية الثقافية

بقلم: فاطمة بن محمود

أصدرت سفارة المملكة المغربية بتونس كتابا بعنوان «غبطة الحوار: شهادات متقاطعة لمثقفين من المغرب وتونس» أعدّه ونسقه السفير المغربي حسن طارق،

ورد الكتاب في حجم متوسط يمتد على 240 صفحة، صورة الغلاف مثلت شارع على جانبه الأيمن مباني لمدينة شفشاون المغربية وعلى جانبه الأيسر مباني لمدينة سيدي بوسعيد التونسية. يفتتح الكتاب بجزء من قصيد للشاعر التونسي أحمد اللغماني كتبه بمناسبة الزيارة التاريخية للمغفور له جلالة الملك محمد الخامس لتونس سنة 1956.
في تقديمه لهذا الكتاب كتب سفير المملكة المغربية حسن طارق أنه أراد أن يمنح «البعد الثقافي والفكري للعلاقات الثنائية المغربية التونسية طابعها العريق ويمدها بضمانات الرسوخ ومعالم الترابط الوطيد، ذلك أن قوة المشترك الثقافي المرن تشكل بنية تحتية صلبة لكل صيغ التعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي» بحيث نفهم ان الديبلوماسية المغربية تراهن على الأبعاد الثقافية والفكرية من أجل النجاح في مد خطوط التواصل بينها و بين العالم الخارجي. أما عن الانفتاح على الجمهورية التونسية يشير سعادة السفير أن «القارئ سينتبه إلى أن وراء تقارب المشاريع الثقافية والإبداعية والفنية بكل من البلدين المغاربيين تقف شبكة واسعة من الصداقات والروابط الشخصية والوشائج الانسانية» لعله هذا الذي مكّنه من جمع كوكبة من أهم الأسماء الفكرية والثقافية والاعلامية من المملكة المغربية الذي كتبوا عن تونس ومثلهم من تونس كتبوا عن المملكة المغربية أمثال محمد الأشعري وصالح البكاري ومحمد بنيس وربيعة ريحان وسعيد بنكراد وسعيد منتسب وعدنان ياسين ونعمان لحلو وثريا اقبال الخ.. من تونس أمثال محمد سعد برغل والمنصف الوهايبي وآدم فتحي وفتحي التريكي وحسونة مصباحي وأمال مختار ونورالدين بالطيب وزياد كريشان والهاشمي نويرة وفاطمة بن محمود الخ..

الشهادات وردت في شكل رسائل محبة وخواطر انطباعية ونوستالجيا حميمة تقول جميعها ان هذا الكتاب فعلا هو «مديح مسترسل للصداقات واحتفاء أدبيا بغبطة الجوار المثمر جوار الثقافة والفكر».

في كتاب «غبطة الجوار» نجد أنفسنا أننا أمام فكرة طريفة ومميزة لعل السبب فيها أن سعادة السفير أتى للعمل الديبلوماسي من الأدب فهو روائي تحصلت روايته الأولى وعنوانها «ما يستحقه الوطن «على الجائزة الأولى في احدى المسابقات الأدبية الهامة في المغرب وله إصدارات أدبية وفكرية عديدة وهذا ما جعله يمارسه الديبلوماسية كأنه يكتب نصا أدبيا بحيث يحرص أن يكون عمله على درجة من الابداع والجمالية لذلك نجده يبذل جهدا مميزا من أجل التأسيس لنوع آخر من الديبلوماسية هي الديبلوماسية الثقافية، الفكرة في حد ذاتها على بساطتها مميزة ولافتة وهي جعل هذا الكِتاب منصة لمبدعين من المملكة المغربية ومن الجمهورية التونسية لتبادل المشاعر الإنسانية في زمن يشهد فيه العالم اجتياح عنف العولمة اضافة للتعبير عن انفعالاتهم تجاه الأمكنة بكل ما تمثله من عمق تاريخي وخصوصية حضارية لهذا ورد هذا الكتاب في شكل مصافحة حارة بين شعبين وفي شكل ابتسامة متبادلة بين جارتين. ما يقوله هذا الكتاب أن الديبلوماسية الثقافية ليست شعارات بل تتحول عند سعادة السفير حسن طارق إلى مشروع إبداعي تكون فيه الثقافة الجسر الحقيقي بين الشعوب.
ما لمسته شخصيا من حسرة لدى بعض الكُتّاب الآخرين من البلدين أرادوا المساهمة في تأثيث هذا الكتاب بمقالات يؤكد نجاح هذه الفكرة ولذلك ربما يفكر سعادة السفير في جزء ثان منه يجمع كوكبة أخرى من المبدعين من البلدين لتبادل المحبة.

عند لقائي بسعادة السفير في مقر عمله للاحتفاء بهذا الكتاب أدركت من خلال حديثه أن مشروعه في التأسيس للديبلوماسية الثقافية لن يكون له حد لذلك أظن أنه سيبادر إلى أفكار أخرى خلاقة تجعل من سفارة المملكة المغربية منصة فكرية وثقافية تحاور العقول بوعي ومسؤولية وتؤسس للقيم الجمالية وتترك أثرا يميزها.
أظن أن ما يجعل من الدبلوماسية الثقافية ممكنة لدى سعادة سفير المملكة المغربية حسن طارق أنه مثقف مبدع وروائي متمرس لذلك يقدم رؤية مختلفة عن الديبلوماسية بجعل الثقافة رافدا أساسيا لها ولعله بذلك يكون أحد روادها في العالم، ربما هذا يجعلني أقترح على كل وزارات الخارجية في كل البلدان أن تجعل من الشعراء والروائيين والفنانين سفرائها سيكون العالم أجمل، يتقلص حجم العنف في الأرض وتفيض المحبة والسلام على الجميع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115