الحصاد الثقافي لسنة 2020: انتكاسة غير مسبوقة... فهل من بوادر انتعاشة في الأفق ؟

قد تكون المرّة الأولى في التاريخ التي تشابهت فيها دول العالم حيث كان وباء الكورونا القاسم المشترك بينها، وكانت المعادلة

الصعبة تجاوز الأزمة بأقل الخسائر والأضرار. أمام الإيقاع السريع والخطير للفيروس الفتّاك في حصد الأرواح في كل البلدان، كان الحجر الصحي خيارا اضطراريا توقفت بعده عجلة الإنتاج في كل المجالات. وبدوره دفع القطاع الثقافي الثمن وكان الحمل ثقيلا على الفنانين والعبء فوق الاحتمال إلى حد الاحتجاج والاعتصام ... لقد كانت سنة 2020 الأسوأ والأكثر ضررا بالحياة الثقافية في تونس ولكن من حلكة الظلام انبلج بصيص من النور، فالفن أكبر من الموت وأقوى من النكسات...
في الربع الأول من عام 2020، كانت الحياة تسير بصورة طبيعية قبل أن يفتك فيروس كورونا بالبشرية ويتسبّب في غلق المسارح والقاعات وتأجيل التظاهرات والمهرجانات... فمرّت السنة ثقيلة ورتيبة بلا فن، بلا حياة !
• المسرح التونسي وانتفاضة الركح في وجه العدم
لأنّ المسرح هو الفن الحي الذي يحيا بجمهوره ويموت دونه، فقد كان الأكثر تضررا من الكورونا بعد توقف العروض وتعطل التمارين وتعليق كل المهرجانات في العاصمة والجهات. بدوره ألقى مهرجان أيام قرطاج المسرحية المنديل حيث قررت الهيئة المديرة إلغاء دورة سنة 2020 وتأجيل الدورة 22 إلى سنة 2021 .
أمام غلق المسارح، عاش المسرحيون في وضعية اجتماعية حرجة دفعتهم إلى سلسلة من الاحتجاجات والتحركات أمام مدينة الثقافة ورئاسة الحكومة، وبدورهم دخل الموسيقيون في اعتصام مفتوح بمدينة الثقافة بعد أن ضاقت بهم السبل انتفاضا على تواصل البطالة المفروضة عليهم قسرا!
بالرغم من كل شيء، تحدّى المسرحيون الشلل والعدم وتمردوا على الوجع والألم على ركح مسرحيات جديدة صافحت جمهورها في نهاية السنة من ذلك إنتاجات عدد من مراكز الفنون الدرامية والركحية على غرار مركز الكاف الذي أنهى مسرحيتين جديدتين بعنوان «مرض الهوى» و»إكس»... كما قدّم، مؤخرا، المسرح الوطني التونسي إنتاجه الجديد «مارتير» من إخراج مديره فاضل الجعايبي. في كل الأزمان والأوقات يشعل «أب الفنون» الشموع ليبدّد حلكة الظلام.
• السينما وتجديد العهد مع التتويج العالمي
في الوقت الذي تمّ فيه حجب كل المهرجانات والتظاهرات الكبرى، وحدها أيام قرطاج السينمائية كانت حاضرة في سنة 2020 مع التخلي عن المسابقات الرسمية وتخصيص دورتها 31 للتوثيق والتأمل والاستشراف. في تطبيق لبرتوكول صحي خاص، نجحت أيام قرطاج السينمائية في استعادة جمهورها دون تسجيل إصابات بالكورونا.
في سنة 2020 الاستثنائية، تعطلت عجلة الإنتاج السينمائي وكان نسق دفعها بطيئا وعسيرا ... لكنها لم تخل من أخبار سارة وتتويجات مششرفة لعدد من الأفلام التونسية في المهرجانات العالمية على غرار فلم «بيك نعيش» لمهدي البرصاوي وفلم «الرجل الذي باع ظهره» لكوثر بن هنية وفلم «المدسطنسي» للمخرج حمزة العوني ...
في استفادة من التكنولوجيا، انضمت مجموعة من الأفلام التونسية إلى شبكة «نتفليكس» كشاشة بديلة في ظل غلق قاعات العروض اقتفاء لأثر جمهور الفن السابع حتى وإن تغيرت شاشات العرض!
• الكسكسي والشرفية على قائمة التراث العالمي
لم تأت سنة 2020 بالثورة المنشودة في قطاع التراث سيما وقد ألقت الكورونا بظلالها على المتاحف والمواقع والمعالم... لكن قبل رحيل السنة سجل القطاع انتصارا ثمينا بقرار «اليونسكو»إدراج أكلة الكسكسي الذي تقدّمت به كل من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا في ملف جماعي،وكذلك طريقة صيد الأسماك التقليدية بجزيرة قرقنة والمعروفة باسم الشرفية على قائمة التراث اللامادي.
• ميزانية صفر فاصل ووزير بالنيابة
في سنة الكورونا، لم تستقر الأمور بوزارة الشؤون الثقافية ولم يعرف الهدوء إلى أروقتها سبيلا .. . فكلما جلس على كرسيها وزير إلا وكان ملزما بمغادرتها بعد وقت وجيز بسبب تغير الحكومات في كل مرة. وقد تداول عليها 4 وزراء في سنة واحدة، فبعد محمد زين العابدين تمّ اقتراح فتحي الهداوي في حكومة الحبيب الجمني التي أسقطها البرلمان. وبصعود حكومة إلياس الفخفاخ إلى سدة الحكم تم تعيين شيراز العتيري وزيرة للشؤون الثقافية. وبعد تقديم الفخفاخ لاستقالته، تمت تسمية الوزير وليد الزيدي المثيرة للجدل في حكومة هشام المشيشي لكن سرعان ما تمت إقالته بسبب اصطفافه إلى جانب الفنانين في تصديهم لقرار منع الأنشطة الثقافية.
بعد إقالة وليد الزيدي، تم تعيين وزير السياحة حبيب عمار وزيرا بالنيابة لوزارة الشؤون الثقافية ومنذ شهر أكتوبر 2020 إلى نهاية السنة وحلول عام جديد ، مازال المثقفون يطالبون بتعيين وزير على رأس وزارة متراكمة الإشكالات والمطالب ومعقدة الملفات وعاجلة الأولويات... أما ميزانية الوزارة فبقيت حبيسة الصفر فاصل ودون سقف الواحد بالمائة كما كانت قبل الثورة !
• راحلون لكنهم
في الذاكرة باقون
وهي تلملم حقيبتها وتحزم أمتعها، أبت سنة 2020 إلا وأن ترحل ومعها أجساد الراحلين من المفكرين والفنانين والمثقفين ... لكن أعمالهم وآثارهم وسيرهم بقيت لجمهورهم حية لا تموت !
كانت الخسارة جسيمة برحيل أول وزير للثقافة في دولة الاستقلال الشاذلي القليبي الذي تم إطلاق اسمه على مدينة الثقافة. كما غادر الحياة الروائي كمال الزغباني والمسرحي نجيب خلف الله والمثقف  عبد الوهاب بوحديبة  والناشرة إشراف عزوز والسيدة نعمة والفنانة زهيرة وجليبار نقاش...
قد تكون سنة 2020 الأشد وقعا على الحياة الثقافية وضررا بأهلها... لكنها مما لاشك فيه ستفجر قرائح الإبداع وستخلق جماليات معاصرة وأساليب مبتكرة لأن الفن كما الأدب «مأساة أو لا يكون».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115