في الجلسة العامة بتاريخ 3 ديسمبر 2020 في مجلس نواب الشعب والمخصصة لمناقشة ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، تجرّأ محمد العفاس على المس من كرامة المرأة التونسية والحط من مكانتها الريادية والقيادية في تونس وخارجها...
لم يقترح نائب «ائتلاف الكرامة» حلولا ولم يدافع عن قضايا، بل سقط خطابه في فخ القذف المجاني للمرأة والقدح في مكتسباتها، ووقع في مستنقع محاولة التحريض على الانقسام بين التونسيين. لقد تعمّد محمد العفاس التفريق بين أبناء المجتمع الواحد في مقارنة بين قناعات «هم» (أنصار الحرية والمدنية) وفكر «نحن» (دعاة الظلامية والرجعية)... معتبرا أن ما يعتبره الـ «هم» حرية هو في نظر الـ «نحن» تحرّرا وأن الحرية هي «أن يكون المرء عبدا للموضة والغرب وإلى الشهوات والانحلال والفسق والفجور» ... يبدو أنه قد غاب عن ذهن محمد العفاس أنه بدوره يواكب الموضة! فعلى سبيل المثال يرتدي هذا النائب الذي ينطق بخطاب رجعي بدلة عصرية بربطة عنق قد يكون قماشها مستوردا من الغرب أو تكون آلات خياطتها من اختراع الغرب «الكافر» في نظر النائب الموقّر!
قد «يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوّه»، وبمنتهى عطالة التفكير وضيق الأفق حصر محمد العفاس مكتسبات المرأة التونسية على حدّ قوله في: «الأمهات العازبات والإنجاب خارج إطار الزواج والحق في الإجهاض والشذوذ الجنسي...» ونسي أو تناسى بأن كل العالم يرفع القبعة عاليا للمرأة التونسية الرائدة في كل المجالات، ويعترف بتجربة تونس النموذجية في تحرير المرأة من حجب التخلف وعصور الانحطاط منذ زمن بعيد.
لم يخجل حضرة النائب المحترم في نعت الأمهات العازبات بـ«العاهرات»، ووصف المرأة بأنها «سلعة معروضة مكشوفة لكل من هبّ ودبّ»، وحشر نماذج المرأة في «الزوجة الخائنة والطالبة اللعوب والبنت العاقّة والعاملة المتحرشة»... ضاربا بعرض الحائط بنصوص الدستور التونسي ومدنية الدولة التونسية التي بفضلها بلغ كرسي مجلس النواب!
أمام السموم التي نفثها لسان محمد العفاس، حسنا فعل عدد من نواب الشعب بالانسحاب من الجلسة وقد صموا آذانهم عن شنيع القول وعنيف الفكر.
حتى المنظمات الحقوقية التي تناضل ليلا ونهارا من أجل حقوق الإنسان ومستقبل أفضل للمرأة لم تسلم من سياط الخطاب الإرهابي، فلم يتوان هذا النائب المنتخب باتهام المنظمات الوطنية المدافعة عن حقوق النساء وعن الحريات بـ»الخيانة والعمالة والتشجيع على الفسق والفجور».
ردا على هذا الخطاب المهين للمرأة التونسية، كانت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ورئيستها يسرى فراوس في مقدمة المنظمات التي تصدّت لأقوال «هذا النائب المتطرف المتستر بغطاء الدولة المدنية الضامنة للحريات من أجل الترويج لأفكاره الإرهابية وتصورات تياره الرجعية والمنقلبة على الدولة وعلى الدستور» على حد وصفها.
ودعت الجمعية مكتب المجلس إلى «إصدار موقفه الرسمي في بيان يستنكر فيه هذا الانتهاك الصارخ للدستور وللحقوق والحريات والذي لا يمكن أن يندرج بأية حال من الأحوال تحت غطاء حرية التعبير التي تعلّل بها محمد العفاس»...
لا تعنينا صورة المرأة التي يدعو إليها محمد العفاس... بل نفتخر بـ «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» كما حدثنا عنها المفكر النيّر الطاهر الحداد !