فيلم «رسالة إلى الرب»: أطفال عقارب يكتبون معاناتهم بالفن ...

يحاربون الالم بالأمل، يحاولون خلق فسحة من الضوء وسط العتمة، يحاولون إيجاد سبيل للحوار وسط صمّ المسؤولين لآذانهم عن مطالبهم المتكررة بإغلاق «المصب»

ولانّ الفن ارقى وسائل الحرب وأنجع اساليبها، التجؤوا اليه علّهم بالفن يوصلون الاصوات المبحوحة قهرا الى التونسيين مواطنين ومسؤولين فولد فيلم «رسالة الى الرب» المنجز ضمن ورشة السينما موبايل في «مشروع بلادي نبدى بحومتي».
«رسالة الى الرب» تاطير قيس العلوي وتمثيل الطفلين عبد الهادي عبيدة ومروى بن عبد الله وتصوير قصي حمودة بمساعدة محمود البحري وايوب بعمود والمونتاج جماعي، الفيلم وسيلة اخرى للدفاع عن حقّ الحياة وتخصيص «هاشتاغ» «حيّ على الحياة، حيّ على الفن» الذي أطلقته مجموعة من فناني عقارب في اطار حربهم ضدّ التلوث.

السينما وترسيخ الحق
في الحياة
الوجع ألا يجد الطفل مكانا يلعب فيه «نحب نلعب، هيا نلعبوا، مانجمش ماثماش بلاصة نظيفة»، الوجع هو عجز الاطفال عن استنشاق هواء نقي، الوجع حين يدرس التلميذ في الكتب «السماء زرقاء صافية» وحين يرفع رأسه الى سماء بلدته يجدها رمادية، الوجع متى يقرأ الطفل عن زرقة الماء ونقائه في المقابل يجده اصفر يميل الى السواد ومتى اجتمعت كل هذه المتناقضات خاف الطفل وطرح اسئلته الى معلمه فمديره فمسؤوليه قبل ان يتوجّه الى الربّ برسالته علّه يجد الاجابة ويزيل حزنه «مانيش متغشش، أنا حزين، حزين برشة» كما جاء في نص الفيلم.

«رسالة الى الرّب» هي اخر استغاثات اطفال مدينة عقارب من ولاية صفاقس، يطلبون من الرب تنظيف الماء والهواء والسماء، توجّهوا الى الرب لأنه الوحيد الذي لم يرسلوا اليه بعد مطلبا لإغلاق المصب، فالمسؤولون من المحليين الى الجهويين فرئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية جميعهم صمّوا اذانهم وأغلقوا سبل التواصل والاتصال مع اطفال عقارب وسكانها فاختاروا التوجه الى الربّ.

في «رسالة الى الرّب» اختار المؤطر قيس العلوي ان يكون بطلا الفيلم طفلان كلاهما يحلم فقط بالحق في اللعب والهواء النقيّ، الصديقان الصغيران اثقلهما شبح الموت والخوف قريتهما الملوّثة، في الفيلم تقترب الكاميرا كثيرا من التفاصيل تغوص في مكب النفايات وتتجول في «المصب» المكان المنتشر على مساحة كبيرة من مدينة عقارب، المصب الذي يتبع اطفال الاحلام ويقضي مضاجعهم ويقلق رئاتهم «مامشيتلوش التلوث، هو جاني، في الشارع والبيت ومدرستي أيضا كما يقول الطفل عبيدة حين تنصحه صديقته بالابتعاد عن التلوث.

باقون هنا ولازال للحلم مكان
«رسالة الى الرب» هي نداء الاطفال الى الرب لإنقاذهم من خطر التلوث، في الرسالة يتوجه الطفلان الى الرب بكل الحب يطلبان مساعدته ليعود الهواء نظيفا وتعود السماء الى زرقتها وتختفي اكوام الفضلات والرائحة الكريهة والغازات السامة المنبعثة من «المصب»، يخبرانه انهما يحبانه كثيرا وسيحبانه اكثر متى استجاب الى دعوتهما «يا ربي احنا

نحبوك، اما نحبوك اكثر كان تنزع عنا التلوث»، يحدثانه عن الاصدقاء الذين سرقهم الموت بسبب التلوث ويطلبان منه ان يبلغ سلامهما الى الاصدقاء والاقارب هناك في فضائه الارحب.

في الرسالة يخبران الله بالحقيقة المخيفة عن الغازات و السموم، يبوحان له بأسرار المصب وعوض اغلاقه تهديهم الدولة مصبا ثانيا، وأثناء حديث الطفلين مع الرب تقترب الكاميرا الى المصب وتنقل كلّ الوجع والاوساخ إلى حدّ أن الصورة تكاد تنبعث منها روائح قاتلة ومشاهد صفراء بشعة، فالصورة سلاح وفي الفيلم وقع الاختيار على تصوير المصبّ وعلى الدولة تتحرك وتسمع نداءات سكان عقارب لغلق المصب.

«وين نحوّل، هنا بابا وأرضنا وطننا» بهذه الجملة يجيب الطفل صديقته حين طلبت منه طلب النقلة مع العائلة الى مكان آخر وحبّ الارض رسالة ينقلها الاباء الى ابنائهم من خلال الفن، في عقارب لازالت الاحلام تنمو وسط خطر التلوّث ولازال هناك من يقاوم بالفنون جميعها، في عقارب رفعت عدة قضايا لاغلاق المصب واحتج الأهالي في مسيرات وكذلك بالفنون من خلال «الغرافيتي» و «المسرح» و»السينما» فالسينما الوثائقية هي صوت الكادحين و الحالمين، الكاميرا نقلت هواجس الاطفال ومخاوفهم من انتشار التلوّث في مدينتهم، التلوث الذي سرق احلام العديد من الاطفال وانهك صحّة اخرين يحوّل مدينة عقارب الى فضاء «للزبلة» لازال أبناؤها يحلمون بتنظيفه وابعاد شبحي الموت والتلوث.
«رسالة الى الرب» فيلم وثائقي يعكس معاناة الاطفال في مدينة سكنها التلوّث، هو استغاثة الكبار امام عجزهم عن توفير مكان يلعب فيه أبناءؤهم ويتمتعون بطفولتهم، الفيلم- الصرخة نداء للحياة، محاولة للحوار مع المسؤولين، الفيلم يطرح على لسان الاطفال سؤال «تناسانا المسؤولين، فهل سيستجيب الربّ؟».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115