في قلب الحي الشعبي «سيدي حسين»: افتتاح فضاء ثقافي على أنقاض «خربة» مهجورة

كان مجرّد مكان مهجور يعربد فيه المنحرفون والمدمنون، وتتراكم فيه الفضلات والقاذورات، وتنبعث منه الروائح الكريهة والأصوات المزعجة...

فتحوّل إلى فضاء ثقافي عامر بالفن وناطق بالجمال يردد صدى الموسيقي و يحتضن الكتب واللوحات وينشر ثقافة الأمل والحياة. في قلب حيّ شعبي وفي عمق منطقة «الجيارة» بسيدي حسين، تمّ افتتاح هذا الفضاء الثقافي ليجمّل وجه المدينة و يغيّر من واقع شبابها ويوميات أطفالها ...
في مبادرة شجاعة ومغامرة جريئة، أقدم المنشط الثقافي ورئيس «جمعية المنصة الفنية للثقافة والفنون» نبيل عيساوي على افتتاح فضاء ثقافي بسيدي حسين بالتعاون مع عدد من شباب الجهة رغم قلة الإمكانات وانعدام التمويلات...

مكان مهجور يتحوّل إلى فضاء ثقافي بعد 10 سنوات من الإهمال
«ليس الفن مجرّد نسخ للواقع، وإنّما هو خلق له»، وفي منطقة «الجيارة» استطاعت إرادة نبيل عيساوي أن تهزم قبح الواقع من حوله وأن تبعث من العدم الحياة. لم يستسلم هذا الشاب إلى الإحباط واليأس رغم بؤس حيّه الشعبي كما هو حال كل المناطق الشعبية التي تتجاهلها مناويل التنمية وتتجاوزها مخططات التجهيز لتختنق بسكانها في ظل غياب فضاءات ثقافية يحتمي بها الأطفال والشباب من خطر الشارع من تربص العنف والإرهاب والجريمة...

بعد إصرار ومثابرة وطرق لأبواب السلط الجهوية، نجح المنشط الثقافي نبيل عيساوي في افتتاح فضاء ثقافي في منطقة «الجيارة» معلقا عليه آمالا عريضة في تبديل مشهد المدينة المفتقرة لفضاءات الثقافة والفنون. عن تفاصيل مشروعه الثقافي ومراحل تنفيذه وأهدافه ، صرّح نبيل عيساوي لـ«المغرب» بالقول:» على امتداد 10 سنوات بقي هذا المكان الذي يتبع «المنطقة الحرفية» مهجورا ومخيفا يتخذه المنحرفون مأوى لإزعاج راحة السكان وإفساد جمالية المدينة... ولأني ابن الجهة ورئيس»جمعية المنصة الفنية للثقافة والفنون»، فقد كان يحز في نفسي كثيرا هذا الواقع المرير. ومن هنا فكرت في تحويل هذه «الخربة» إلى فضاء ثقافي يعود بالفائدة والمنفعة على منطقة سيدي حسين. وبعد أن وجدنا الدعم والمساندة من شباب المنطقة، قمنا بصفتنا جمعية ثقافية بمراسلة الولاية قصد الحصول على ترخيص يسمح لنا باستغلال المكان. وبعد أن تحصلنا على الموافقة، شرعنا مباشرة في العمل وطلاء الجدران واقتناء الآلات والتجهيزات... فإذا بالمكان المهجور والمشبوه في الأمس يتحوّل اليوم إلى فضاء ثقافي محترم».

ضغوطات من المسؤولين وافتقار للتمويلات
هو فضاء ثقافي أراده صاحبه أن يكون منصة للفنون وصقل المواهب حتى تنتج منطقة سيدي حسين الشعبية فنانين ومبدعين في مختلف المجالات. وحتى إن لم يختر له اسما في الوقت الحاضر، فيكفي نبيل عيساوي أن عشرات الأطفال والشباب التحقوا بهذا الفضاء الثقافي رغم أنه لم تمر على افتتاحه سوى أيام معدودة مما يؤكد حاجة المناطق الشعبية إلى فضاءات ثقافية ويستدعي اهتمام وزارة الشؤون الثقافية والسلط المحلية بالأحياء المنسية المحرومة من حقها الدستوري في الثقافة.

مجرد مكتبة صغيرة وفضاءات للرسم والموسيقى والمطالعة... كانت كلها كافية لتخلق الجديد وتصنع الحدث. فبالرغم من تجهيزاته البسيطة التي لم تكتمل بعد ، استطاع الفضاء الثقافي في منطقة «الجيارة» أن يستقطب أعداد المنخرطين والملتحقين لمختلف نواديه التي يشرف عليه اليوم أساتذة متطوّعون آمنوا بهذه المغامرة الإبداعية.
لئن كان هذا الفضاء الثقافي في حاجة ماسة إلى الدعم والتمويل لاستكمال تجهيزاته وآلاته وأداء مهمته على الوجه الأكمل، فإن صاحب هذا المشروع الثقافي نبيل عيساوي طالب في تصريحه لـ «المغرب» السلطات بحل الإشكال القانوني الذي يعيق نشاط الفضاء ويعيق حتى ربطه بشبكتي الكهرباء والماء نظرا لعدم امتلاك عقد تسويغ أو رخصة استغلال...
بحسرة شديدة تحدث نبيل عيساوي عن تعرّضه لضغوط من طرف بعض المسؤولين بحجة أن ما قام به يخالف للقانون ويندرج في باب الاستيلاء على الملك العمومي بالرغم أنه أنفق من ماله الخاص لإحداث هذا المشروع وسخّر كل جهده ووقته لبعث فضاء ثقافي في حيّ شعبي محروم من متعة الفن ومن ممارسة الثقافة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115