عن نص لعز الدين المدني وإخراج حافظ خليفة: مسرحية «عزيزة عثمانة» قراءة راهنة لزمن الأوبئة

في متون كتب حسن حسني عبد الوهاب وابن أبي دينار وأحمد ابن أبي الضّياف ... بالرغم من أن هذه المرأة الرائدة قد نذرت حياتها وأموالها لأعمال البرّ والتقوى والإحسان، فإن هذه الأيقونة والدرّة الخالدة لم تحظ بتأريخ يليق بمكانتها وبتكريم يوفيها حقها. ولأن عزالدين المدني مولع بالتاريخ والتدقيق وشغوف بتوثيق السيَر والعبر في مختلف عصور الدولة التونسية، فقد كتب نص مسرحية «عزيزة عثمانة» والتي ستكون جاهزة للعرض - قريبا - بتوقيع المخرج حافظ خليفة.
لأنّ عز الدين المدني «يكتب فقط النصوص الحية ولا يكتب الجثث الهامدة» على حدّ قوله، فلا شك أن جمهور الفن الرابع سينتظر «بعثا» جديدا لشخصية عزيزة عثمانة على ركح المسرح.
تخليد لعزيزة عثمانة وتكريم لعزيزة بولبيار
على خشبة مسرحية «رسائل الحرية» التي افتتحت مهرجان الحمامات الدولي 2019، كان اللقاء المسرحي الأوّل صائبا وموفقا بين الكاتب عز الدين المدني والمخرج حافظ خليفة. وللمرة الثانية، يجتمع الرجلان في مشروع مسرحي جديد بعنوان «عزيزة عثمانة»، في بطولة لعزيزة بولبيار وبشير الصالحي ونورالدين العياري ومحمد توفيق الخلفاوي وعبد الرحمان محمود وآدم الجبالي وكمال زهيو وشيماء طوجاني وتصميم أزياء للفنانة آمال الصغير وموسيقى للدكتور رضا بن منصور... من المنتظر أن تكون مسرحية «عزيزة عثمانة» جاهزة للعرض في مفتتح السنة الإدارية الجديدة 2021.
عن سياقات مسرحية «عزيزة عثمانة» ومدارات اهتمامها، أفاد المخرج حافظ خليفة في تصريح لـ «المغرب» بالقول: «في هذا العمل المسرحي الجديد يتقاطع الراهن مع التاريخ ويلتقي الماضي مع الحاضر عند عتبة الوضع الصحي الحالي في طرح للسؤال التالي:» كم نحن اليوم بحاجة إلى امرأة بقيمة عزيزة عثمانة وخدماتها الجبارة في مجال الصحة ومقاومة الأوبئة لنتصدى إلى زحف الكورونا وتهديدها لحياة البشر. كما ترتكز مسرحية «عزيزة عثمانة» على ثلاثة أعمدة كبرى ألا وهي تخليد سيرة العظيمة عزيزة عثمانة في المدونة المسرحية التونسية، وتكريم الفنانة القديرة عزيزة بولبيار وهي التي لعبت منذ سنوات بعيدة دور «ريحانة» في مسرحية «ديوان الزنج» لعزالدين المدني، وأخيرا تقديم قراءة متأملة وناقدة للواقع الراهن وتآكل المنظومة الصحية وانخرام أسسها النبيلة..».
المسرح نبوءة واستشراف...
سبق وأن اشتغل المخرج حافظ خليفة في مسرحيته «رسائل الحرية» على نص لعز الدين المدني يعود زمن كتابته إلى السبعينيات لكنه كان ناطقا بهواجس اللحظة ومعبرا عن قضايا الآن وهنا... وفي ثاني تعامل معه مع الكاتب القدير عز الدين المدني، يعمل حافظ خليفة على إخراج نص جديد تم ختمه بتاريخ شهر أكتوبر 2019. وكأننا بعز الدين المدني يستشرف كعادته الآتي ويتنبّأ بالمستقبل ويتوّقع بأن تكون الصحة هي الشغل الشاغل في سنة 2020.
في مسرح حافظ خليفة، تحتل السينوغرافيا مكانة مهمة في تفاصيل العمل المسرحي وتسعى إلى الخروج عن المعتاد والمألوف، ولن تشذ مسرحية «عزيزة عثمانة» عن هذه القاعدة. وفي هذا السياق ، صرّح المخرج حافظ خليفة بالقول:» أنا أؤمن بأنه إلى جانب قوة النص وحسن أداء الممثل يجب أن تكون أن تكون الصورة قوية. أنا لا أقدم مسرح صورة كما قال البعض عني بل أعتبر الصورة نصا آخر موازيا للنص المكتوب والمنطوق. وأعتقد أن تقديم مشهد سينوغرافي بديل هو ضرورة لاستيعاب متانة نصوص عزالدين المدني وجمالية حرفه ومقصده...».
«تونس يا أمّ البلدان» جديد عز الدين المدني
في سنة 2019 كان من المفروض أن يكون الاحتفال تونس عاصمة للثقافة الإسلامية فرصة ثمينة للترويج للحراك الأدبي والفني الذي تعرفه تونس، إلا أنه اقتصر على بعض العروض المستهلكة والحفلات المعتادة دون أثر واضح يبقى في الزمان والمكان. وكان من المنتظر عرض مسرحية «تونس أمّ البلدان» عن نص عز الدين المدني ومقاربة إخراجية لحافظ خليفة في اختتام هذه التظاهرة الكبيرة، إلا أنها لم تعرض. وعن أسباب ذلك، قال المخرج حافظ خليفة: « لقد أخلّ وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين بوعوده تجاهنا وبتعهده بإنتاج هذا العمل وفوّت على تونس الترويج لتاريخها ومآثرها وأعلامها في اختتام تظاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية. كما تجاهل المسرح التونسي عموما وغيبّه من تمثيل تونس كما يليق بها...».
بعد تنصل الوزير السابق من وعوده، تدّخل المجمع التونسي للعلوم و الآداب والفنون (بيت الحكمة) لينال نص عز الدين المدني حقه وحظه ، فقام بطبع نص مسرحية «تونس يا أمّ البلدان» الذي يتناول على وجه الخصوص سيرة أبو زكريا الحفصي. وقد تضمن هذا الأثر رؤية إخراجية للمسرحية بإمضاء حافظ خليفة الذي كشف لـ «المغرب» بأنه سيعمل قريبا على إخراج هذا النص الذي يتوّقع له صدى كبيرا في تونس وخارجها.