اثناء ممارستك للعملية المسرحية فالمسرح رديف للحلم والانعتاق من كل القيود وإن كان قيد السجن وجدرانه هكذا يجمع الاساتذة المشرفين على تقديم نواد داخل المؤسسة السجنية والذين سيزرعون بذور الحلم والأمل في داخل النزلاء بذور ستكون نتاجها أعمال مسرحية في 21وحدة سجنية.
وسيكون ذلك في برج الرومي وبرج العامري (هدى اللموشي) والمرناقية (لطفي الناجح) وصوّاف وسليانة وجندوبة (لزهر فرحاني ) والسرس والقصرين (احمد نصرلي) وقفصة وصفاقس وحربوب (كريم خرشوفي) والمهدية (حسام الغريبي) والمسعدين (رياض الزواوي) ومنوبة (امنة حجوني) والاصلاحيات المغيرة (هناء وسلاتي) وسوق الجديد والمروج (ايناس فيلالي) وسيدي الهاني ومجاز الباب (نزار المشو) هي من ستتمتع بمشروع تجليات مودع الذي تنجزه جمعية رؤى للثقافة والفنون والهيئة العامة للسجون والاصلاح بدعم من مشروع تفنن تونس الابداعية ووزارة الشؤون الثقافية.
النزيل- الممثل: توجد خلف القضبان ارادة الابداع
دقت عقارب ساعة الإبداع، حان وقت الفعل بعد لقاءات ونقاشات لتجديد دماء الابداع لدى النزلاء حتى يتنفسوا فنا ويحلموا ويكتبوا ويصنعوا الديكور ويخلقوا سينوغرافيا عرض مسرحي يكونون شركاء فيه وفي حبكته الدرامية والإبداعية وهاهي تباشير مشروع «تجليات مودع» بدأت تظهر للعلن بعد ان انطلقوا في العمل، وبعد ان كان المشروع سيقتصر على 20وحدة سجنية كما صرح سابقا لـ«المغرب» المشرف على المشروع فقد اصبحت 21 وحدة بعد ان أضيف السجن النموذجي باوذنة الى قائمة المؤسسات الراغبة في تركيز نادي مسرح.
تجليات مودع انطلق منذ 20 أكتوبر وذلك بعد اول لقاء جمع الاساتذة المنشطين والمشرفين على المشروع وقد قدّمت الخطوط العريضة للمشروع وأهدافه وفي تصريح لـ«المغرب» يشير زياد غنانية المشرف على المشروع ان تجليات مودع ليست مجرد نشاط بل هي مشروع متكامل ، فلكل مؤطر لقاء مع النزلاء لمدة 15يوما وبمعدل 4ساعات في كل حصة يكون نتاجها عمل مسرحي قصير يتراوح بين 20 و30دقيقة وفي البرنامج لا يتجاوز عدد النزلاء المشاركين في الانتاج خمسة نزلاء لتسهيل العمليات الامنية وحتى تكون النتيجة الفنية مضمونة لأننا نريد العمل على فكرة النزيل-الممثل لنخرج كل طاقته ومواهبه على الركح وكلما ارتفع العدد صعبت عملية التوجيه والإبداع على حدّ تعبيره.
ويضيف غنانية بعد سلسلة من العروض واللقاءات المسرحية والتجربة داخل السجون ستكون «تجليات مودع» اكثر نضجا إذا عملنا بالملاحظات التي يقدمها الجمهور او الادارة وكذلك النزلاء وسيكون المشروع هذه المرة اكثر نضجا لانّ المسرحية ستغذي القدرات الابداعية والادائية للنزيل وستفسح الفرصة للاستاذ المؤطر ليغوص داخل مجموعته المضيقة ويخرج طاقة النزلاء وتتحول الى ابداع مسرحي.
«تجليات مودع» مشروع مسرحي سيركز فيه الاساتذة المؤطرون على الجانب الفني أكثر اذ سيحاولون اخراج السجين من الدائرة الفكرية للسجن ربما ليعايشوا الخارج من خلال الفن في اطار تأثيرات البسيكودراما، وفي هذا السياق يستحضر محدثنا مثال احد الاطفال الجانحين الذي انخرط في النشاط المسرحي داخل الاصلاحية وبعد خروجه درس الديكور والتزويق وانقذ نفسه وفكره هو اليوم يعيش حياته الطبيعية بعد ان تعززت ثقته بذاته وقدراته بفعل الفن».
هل تكون التجربة مشروع دولة؟
«تجليات مودع» فرصة اخرى للإبداع، لقاء متجدد مع ابداعات النزلاء وقدرتهم على اخراج طاقات رهيبة على الركح، في العروض سيتجلى المودعين وينتشون بالمسرح ليمتعوا الجمهور، ففي الداخل الرغبة في ممارسة المسرح والشغف بالإنتاج وخوض المغامرة اكثر من الخارج كما انمّ التكوين في الداخل اتعب وامتع من الخارج.
ويشير غنانية في «تجليات مودع» سنركز على الانتاج والتوزيع والترويج لنضمن مداخيل للنزيل- الممثل و سنطرح المشروع على المندوبيات الجهوية للثقافة ومراكز الفنون الركحية والدرامية لبرمجة عروض ونحاول خلق شبكة انتاج وطنية في مجال المسرح بين داخل السجن وخارجه كما تنص الاتفاقية، ويضيف محدثنا «نحن نعمل في اطار منطق
الانتاج لا النشاط، سنحاول التسويق للمنتوج المسرحي المنجز، لن نكتفي بالتدريبات او عرض يتيم لأنه سيتم تقسيم العروض خارج اسوار السجن في الفضاءات الثقافية او بين السجون وسيعرض العمل 5 عروض على الاقل حسب العروض ويتواصل المشروع لمدة 18شهر .
في «تجليات مودع» يؤكد المشرف على المشروع التركيز سيكون على الجوانب الفنية و الاعمال ستصل الى المتفرج خارج اسوار السجن، التجليات ستطعم التجربة المسرحية للنزلاء، هم الشركاء في المنتوج الابداعي هم من سيطرحون الافكار ويحللونها ويجسدونها على الركح، والأساتذة سيشتغلون على تحويل الافكار ورسكلتها ابداعيا لتصل الى الجمهور، وأساس العمل سيكون تحفيز الذاكرة الانفعالية للسجين وإحساسه بالمستقبل.
ويضيف غنانية النزيل يعيش عقوبة «اقصاء من الزمن» والمسرح سيأخذ حيز زمني هام من يوم النزيل اربع او خمس ساعات يومية كفيلة بإعادة فكره للاشتغال وحواسه لتنطلق نحو عملية ابداعية يكتب هو تفاصيلها ومدة 15 يوم عمل مكثف قادرة على الخروج بمسرحية متكاملة فساعات العمل وعدد الحصص كاف لان وتيرة العمل متسارعة وبالتالي سنصل الى النتيجة الابداعية المرجوّة وسنطعّم المسرح التونسي بأعمال مسرحية ذات نفس وطابع جديد.
«تجليات مودع» المشروع لن يتوقف بمجرد انتهاء العرض فنحن على تواصل مع من قضى مدة عقوبته وخرج ونحاول تشجيعهم للانخراط في الفعل الابداعي او الحياتي خارج اسوار السجن و نريد للمشروع ان يكبر ويتماسك نريد ان تتبناه الفضاءات الثقافية وربما يكون مشروع دولة فنحن نعمل على ذلك مع المؤسسات والافكار وكما هناك انتاجات حرفية وصناعية وفلاحية ينتجها النزلاء وتسوّق الى خارج السجن نريد ان يسوّق المنجز المسرحي وتصل ابداعات الممثلين النزلاء الى خارج الاسوار.
محمد امين الزواوي: ممثل المشروع في سجن برج العامري
من عمل واحد إلى 21 عملا: تحقق الحلم وكبر
شاب مغامر ومسرحي لا يعترف بالحدود، من «وجيعة» احدث ضجة اعلامية ومسرحية وبعد ان كان هناك عرض يتيم في عام 2017 انجزه نزلاء سجن برج العامري واطّره المسرحي محمد امين الزواوي ارتفع عدد الاعمال في الوحدات السجنية الى 7في العام 2018 فـ 11 في العام 2019 وسيكون 21عمل في 21 وحدة سجنية في العام 2020 وتظل «وجيعة» عمل مرجعي وحافظ امين الزواوي على عشقه للمسرح والتزامه تجاه المسرح في السجون.
محمد امين الزواوي يواصل التجربة في سجن برج العامري وفي تصريحه لـ«المغرب» قال «لازلنا نحلم ولازلنا نؤمن ان المسرح وسيلة للتغيير، ورغم الفراغ الذي احدثته ازمة الكورونا ها نحن نعود الى الركح والنزلاء بشوق الاطفال وشغفه الى الحياة وفي تجليات مودع سنعمل على نص مرجعي في عملية اقتباس بتصرف من مسرحية ريتشارد الثالث لشكسبير وستكون نقطة العمل السلطة والتسلط واقصد السلطة بمفهومها المطلق في المجتمع والصراع واعمل مع خمسة نزلاء».
ويضيف الزواوي التجربة في «وجيعة» كانت ممتعة ومتعبة وقد تطورت التجربة من الناحية الشخصية اصبحت اكثر نضجا في التعامل الجمالي مع النزلاء وبدأت البحث عن مخرج جمالي جديد ومختلف عما هو موجود وفي الحقيقة ومن مسرحية وجيعة وأنا اطرح سؤال «لواش نعمل فيه ها المسرح» وبعد اعوام اعتقد انني وجدت الاجابة الواضحة والملموسة وهي اعادة حب الحياة لدى النزيل ومصالحته مع العالم الخارجي انطلاقا من المسرح ولازلت في تواصل مع النزلاء الذين اطرتهم في الاعوام السابقة ونحن بصدد تحضير عمل مسرحي بعد ان انهوا مدة عقوبتهم فوجيعة علمتني ان ممارسة المسرح خلف القضبان هين ممارسة للحياة بكل الحب.
اما على المستوى المؤسساتي فأنا فخور إذ أن تلك المغامرة اليتيمة عام 2017 اصبحت اليوم ممارسة فعلية منتشرة في كل الوحدات السجنية تقريبا ووجدت في الادارة العامة للسجون من يدافع على المشروع بكل صدق».
ويختم الزواوي تصريحه بالقول « العمل التشاركي مهم جدا، ومن الضروري ان نجتمع وتوضع كل المشاريع تحت الدرس لنفكر في تطويرها واشكر اصحاب مشروع تجليات مودع لان التشريك مهم والعمل الجماعي مثمر وسيساهم في تطوير المشروع».
حسام الغريبي ممثل المشروع في سجن المهدية:
العمل مع النزلاء أكثر متعة من العمل مع محترفي المسرح أو هواته
«تجربة بطعم الحرية والحب» هكذا يمكنني ان اصف تجربتي في نادي المسرح داخل المؤسسة السجنية، بهذه الكلمات افتتح حسام الغريبي مدير مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية تصريحه مضيفا «التجربة في العمل داخل السجون انطلقت من القيروان وبعدها تجربة لعامين في السجن المدني بالمهدية ، تجربة التكوين والإنتاج وها نحن ننخرط في تجربة جديدة هي تجليات مودع بكل الشغف لانّ تجاوب الادارة وإيمانها بالمسرح والحب الذي نجده لدى النزلاء يشجعنا على مواصلة العمل».
ويشير الغريبي بعد اعوام من التجربة اصبحت القاعة مجهزة اكثر وزاد اهتمام النزلاء بالمسرح و»صدمت بالأمس بالعدد الكبير للذين حضروا «للكاستينغ» ويؤكد انهم سيواصلون التجربة مع السجن المدني بالمهدية في مشروع مسرحي اخر بعد انتهاء مشروع تجليات مودع.
ويضيف محدثنا «انطلقنا في التدريبات وفي تجهيز الممثلين فأغلبهم لا يملكون تجربة في الممارسة المسرحية وهناك خصوصية بيداغوجية في التعامل مع النزلاء وشخصيا اؤمن انهم الشركاء في الفعل، هم الذين سيصنعون الملابس ويختارونها وهم الذين سيتولون انجاز سينوغرافيا العرض وتصوّر الركح لن يكونوا ادوات تنفيذ بل شركاء حقيقيين في ولادة العملية الابداعية».
وأشار إلى أنهم سيعملون لحصتين يومي السبت والاحد بمعدل اربع ساعات لكل حصة والعمل سيكون من الميثيولوجيا اليومية وسيجهز العمل في النصف الاول لشهر ديسمبر وبصفته مديرا لمركز الفنون الركحية بالمهدية سيعمل على احتضان العروض خارج اسوار السجن وعرضها امام الجمهور ومن المميز في تجربة المهدية ان الادارة سمحت ان تنجز بعض التدريبات على ركح حقيقي في دار الثقافة المهدية وهي نتيجة العمل والثقة بين الطرفين.
وعن التجربة وتطوراتها يقول الغريبي من الناحية الشخصية نضجت التجربة كثيرا وأصبح التعامل أسهل واكثر وعيا واعمل على الاستمرارية لضمان أن لا يعود مواطن الى الجريمة ومن الناحية الادارية ادارة السجن المدني بالمهدية جد مؤمنة بقيمة الفعل الثقافي على التغيير في طباع النزيل وقد تغيرت طريقة التعامل وأصبحت اكثر مرونة وسلاسة من المرة الاولى.
ويختم الغريبي بالقول «تجربة العمل في السجون ممتازة جدا، هي اكثر متعة من العمل المسرحي مع ممثلين محترفين او هواة لان زرع بذرة حب المسرح في السجناء جد مغرية ونعمل على الانفتاح على مؤسسات اخرى مثل دور العجز وفاقدي السند فلينتشر المسرح وللنشر معه الفرح والحب والتحدي».
لطفي الناجح ممثل المشروع في سجن المرناقية:
المسرح يحمي النزيل من العودة الى الجريمة
«المسرح خلف الجدران والقضبان يشعر السجين انه يمارس حريته، يحلم كيفما يشاء ويحول احلامه تلك الى افكار نكتبها بجسده ونحولها الى عمل مسرحي، فكرة مختلفة خاصة وأنها ستساهم في تعديل سلوك النزيل» كما جاء في تصريح المسرحي لطفي الناجح عن مشروع تجليات مودع.
ويضيف محدثنا ان العروض المنجزة لن تقتصر على قاعة عرض في السجن بل ستتجول وتكون في الفضاءات والولايات وفكرة تقديم النزيل لعرض مسرحي امام الجمهور يعزز ثقته بذاته ويساعده على تجاوز محنة العقوبة ويضمن مواطن سوي لن يعود الى الجريمة بعد قضاء مدة عقوبته فالمسرح يعلم الانسان معنى الصمود والمقاومة.
ويؤكد الناجح على أن المسؤولية كبيرة وصعبة لان التكوين داخل السجن يختلف عن التكوين خارجه ولكننا سننجح في كسب الرهان لان طاقة النزلاء جدّ رهيبة وحبهم وإقبالهم على المسرح يسهل العملية الاتصالية وتجربة انجاز 21 عملا مسرحيا في 21 وحدة سجنية يستحق التحية لانه مشروع وطني يساعد النزيل على ممارسة المسرح ويساعد الاستاذ على اكتشاف عالم اخر.
ويشير لطفي الناجح إلى أن تجربة تجليات مودع ذكرته بمشروع آخر لم ير النور الى حدّ اليوم وهو «كلنا تونس كلنا الوطن» مع زينب الجويني والمشروع الذي قدم ملفه في العام 2017 اساسه التكوين في السجون والمدارس الاعدادية ودور الثقافة ويستمر على 30عاما وحينها لم نطلب مليما واحدا من الدولة التونسية فقط طلبنا تراخيص العمل لان الدعم من الاتحاد الاوروبي.
وتجربة التكوين ل30عام في السجون تضمن نقصا في الجريمة ونقصا في عدد المساجين حتما لان من بنود المشروع توفير قرض للسجين بعد انهاء عقوبته ليضمن مورد رزق بعد الخروج، ودور الثقافة سيتحول بعضها الى مراكز للبحوث في السينما والمسرح وهناك أيضا بناءات إذ أردنا انجاز مجموعة من المسارح في المدارس الابتدائية وهناك تقاطع بين الوزارات واذكر ان الاستاذ قيس سعيد انذاك عبر عن اعجابه بالمشروع ولكن يبدو أنّ غياب الأحزاب كان السبب في اجهاض مشروع فكري ثقافي يرسخ لثقافة الحياة.