محاضرة حول الروحانية الإسلامية في بيت الحكمة: هل يحتوي التراث الإسلامي على روحانيّة أم على روحانيات؟

أيّ معنى للحديث عن روحانيّة إسلاميّة؟ هل يحتوي التراث الإسلامي على روحانيّة أم على روحانيات؟ بماذا اتّسمت روحانيّة الإسلام المبكّر؟

كيف تمّ الانتقال من الروحانيّة التأسيسيّة إلى الزهديّة؟ وما المقصود بروحانيّة الزهد في الزهد؟ لماذا انبعثت التجربة الصوفيّة؟ كيف توسّعت الروحانيّة الإسلاميّة؟ وهل يجوز وصفها بالكونيّة؟
تناول هذه الإشكالات الأستاذ توفيق بن عامر في لقاء فكريّ نظّمه مؤخّرا قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» حيث قدّم خلاله الباحث بن عامر محاضرة بعنوان في الروحانيّة الإسلاميّة: بعض المعالم والمحددات، مؤكّدا تعدّد ضروب هذه الروحانيّة وطابعها الكوني، كاشفا عن أبرز معالمها ومراحل تطورها عبر الصيرورة التاريخيّة.انطلقت رحلة الروحانيات وفقا للمحاضر من ضفّة روحانيّة الإسلام المبكّر، منبثقة من رحم النبوة والوحي، فهي لم تنشأ من فراغ في نظره لأنّها «تأسّست على أنقاض ما كان سائدا من أساطير ونزعات وثنيّة. .» ويمكن تسميتها «بالروحانيّة القرآنيّة» نظرا إلى ما نهلته من القرآن، ومن أهم سماتها القطع مع الوعي الأسطوري، إذ حلّ محلّه التفكّروالتدبّر العقلاني وحريّة الفعل لأنّالتجربة الروحانيّة حرة أو لا تكون كما ورد في مقاربة توفيق بن عامر. ولم تعمّرطويلا تلك الروحانيّة التأسيسيّة إذ سرعان ما جفّت منابعها لأسباب كثيرة عدّدها المحاضر، من أبرزها الصرعات السياسيّة والمذهبيّة وفتن إراقة الدماء وهوس العيش الرغيد والتهافت على كافّة أشكال النفوذ، ممّا أدى إلى العزوف عن طقوس التعبّد وخوض التجارب الروحيّة لذلك طفت ارهاصات الروحانيّة الزهديّة بوصفها فعلا احتجاجيا على سلوك السياسيين وصنّاع الفتن والمدعين في الفقه فلسفة والمنغمسين في فائض المتع الخ.. عموما تميّزت هذه الروحانيّة الزهديّة بقيم خشية الله والخوف من المصير والإحساس بالذنب، شعارها التسامي والعزوف عن عوالم المتع، ذاهبة إلى الأقصى فجنحترحلتها نحوالزهد في الزهد. لذلك كانت تجربة الزهد في نظر بن عامر مقدمة «لظهور روحانيّة أعمق» رهانها على الباطن، شعارها التأمّل في القضايا العميقة ذات الصلة بما هو باطني، ولكن «ترسانة التشريعات» المتمثّلة في مقولات المحرّم والمباح والمحظور والواجب. . أفضت إلى ضجرالناس وطمس معالم الروحانيّة نظرا إلى حجم صراعات المذاهب والفرق الكلاميّة وخلافات الفقهاء والناطقين بمنطق اللامنطق، بناء على طبيعة هذه الإشكالات نشأت روحانيّة صوفيّة باعتبارها منهجا تربويا يعيد للتجربة الروحيّة ألقها، الذي جفّفه الجدل الكلامي والاستغراق في قضايا المنطق لأنّ الكينونة بحاجة إلى مناخ روحاني وتطهير باطنيّ عبر طقوس الحب الإلهي.
وتوسّعت الروحانيّة الإسلاميّة حسب قراءة المحاضر متفاعلة مع روافد الثقافات الإنسانيّة والأديان المتتالية ومعتقدات الشعوب المختلفة مثل الهندية والمصريّة القديمة والتراث الفلسفي العالمي، ممّا يؤكّد معالم كونيتها وهو ما جسّدته الروحانيّة العرفانيّة الفلسفيّة الكامنة في عديد الأطروحات الفلسفيّة على غرار فلسفات ابن باجّة والكندي وابن طفيل الخ..
صفوة القول يتميّز كل عصر في رأي المحاضر بروحانيّة وهو ما تترجمه روحانيّة العهد الجديد، أي روحانيّة ما بعد الحداثة ويظل جميعها حسب عبارته «محل اضطهاد السلطة» السياسية والدينيّة والمذهبيّة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115