وربما ظهر البعض وبقي الكثير منها خفيّا عن العيون ومخفيا تحت التراب. كيف لا؟ وهي المدينة الخصبة التي امتدت مساحتها على آلاف الهكتارات بين ربوع خضراء وحنايا مياه عذبة ... فسكنها الأثرياء وحكمها الأقوياء.
تحتاج أوذنة اليوم إلى ضخ التمويلات لاستئناف الحفريات وأشغال التنقيب حتى تخرج ما في جعبتها من خفايا وكنوز وسير الأوّلين...
لولا فسيفساء «أوذنة» لما ازدان متحف باردو بأروع لوحات الفسيفساء المعروضة بقاعة أوتينة. ولعل من أهم وأجمل مواقع أوذنة الكابتول الذي يعتبر أكبر معبد بشمال إفريقيا الرومانية -إذا ما استثنينا كابيتول قرطاج- الذي يوجد جزء هام من بقاياه تحت كاتدرائيّة قرطاج حاليّا. وتجدر الإشارة إلى أن لهذا الكابيتول خاصّية لا توجد في المعالم الأخرى الشّبيهة به ألا وهي احتواؤه على ثلاثة طوابق سفليّة
مسلك سياحي وثقافي في موقع أوذنة
بين ارتفاع يعانق في شموخ السماء وانبساط يلامس في حنوّ الثرى ، تتوّزع معالم مدينة «أوذنة» من كابيتول ومسرح وآثار وديار وحمامات.... على بعد حوالي ثلاثين كيلومتر من الضاحية الجنوبيّة الغربيّة لمدينة تونس. ويبدو أنّ تأسيسها يعود إلى العهد اللوبيّ (أو البربري) كما يدلّ عليه اسم المكان القديم «أوتينا». .وشاءت تقلبات التاريخ أن تصبح بونيّة ثم رومانية قبل سيطرة الونداليين والبيزنطيين عليها لفترة قصيرة – حوالي قرن في كلّ مرّة – وقبل تقهقرها النهائي بعد الفتح العربيّ في القرن السابع.
بالرغم من الثراء التاريخي والعمق الحضاري لمدينة أوذنة، إلا أنها عانت من الإهمال والتهميش كثيرا قبل محاولات انتشالها من النسيان وتثمين معالمها في السنوات الأخيرة سيما بعد ربطها بشبكة الكهرباء والماء الصالح للشراب واحتضانها لمهرجان أوذنة الدولي في نسخته الأولى سنة 2019.
وعن مدى تقدّم الأشغال بالموقع الأثري بأوذنة، صرّح محافظ الموقع الأثري بأوذنة نزار بن سليمان لـ«المغرب» بالقول:» قريبا سيقع تدشين هياكل الاستقبال والتي تقدمت بنسبة فاقت 90 ٪ وذلك بعد الانتهاء من إعداد مأوى السيارات. صحيح أن الأشغال متواصلة بالموقع الأثري بأوذنة ولكن بوتيرة متوسطة نظرا للظروف الصحية التي تشهدها البلاد». ونحن نعمل على استقطاب شرائح أكبر من الجمهور من خلال تخصيص فضاءات مهيئة للاستجمام والتنزه وإعداد مسلك سياحي وثقافي على مستوى الجهة يجمع بين متعة التعرف على الموقع الأثري و السياحة الخضراء خصوصا إذا ما تم ربطه بزيارات إلى الضيعات الفلاحية المجاورة ومعاصر الخمور والزيوت وجبل الرصاص وجبل بوقرنين ... ولا شك أن هذا المسلك سيغيّر من واقع أوذنة كثيرا وسيّبدل حال الموقع نحو الأفضل».
الإعداد لتسجيل أوذنة كموقع ثقافي في التراث العالمي
موقع أوذنة لما يمتلكه من خزائن وكنوز و معالم وفسيفساء وامتداد شاسع في الطبيعة والمكان جدير بالتسجيل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، فقد أفادنا الدكتور نزار بن سليمان بالقول: «إنّ التسجيل في التراث العالمي يتطلب وقتا طويلا، على الأقل ليس قبل خمس سنوات من الآن . حاليا نحن بصدد الاشتغال على تصنيف أوذنة كموقع ثقافي يضم الموقع الأثري ومحيطه الطبيعي معا. إن التصنيف في مفهومه الكلاسيكي كان يقتصر على الموقع الأثري الذي يمتد على مساحة 120 هكتار ويضم المعابد والكابيتول والمسرح والمنازل الرومانية ... أما الموقع الثقافي فيمتد على 4200 هكتار ويشمل كل المشهد الطبيعي والفلاحي الذي يحيط بالموقع. وهو ما يتطلب إجراءات طويلة تحتاج لبعض الوقت حتى يسهل تصنيف أوذنة كموقع ثقافي يجمع بين البعدين: الأثري والطبيعي».
هي مدينة نصفها مكشوف ونصفها الآخر لا زال مطمورا تحت التراب محتفظا بأسراره وكنوزه في انتظار حفريات تنفض الغبار عن سر المدينة الدفين. وفي هذا السياق شدّد محافظ الموقع الأثري بأوذنة نزار بن سليمان على أن الميزانية قاصرة عن النهوض بموقع أوذنة وهو ما ينسحب على كل المواقع سيما بعد التراجع الكبير في مداخيل وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية في السنوات الأخيرة. وأشار الباحث في التاريخ القديم نزار بن سليمان إلى أنه لولا هبة السفارة الأمريكية بتونس لدعم الأشغال بموقع أوذنة لاستحال التقدم في المشروع، مؤكدا أن إشكاليات قطاع التراث متراكمة وكثيرة مقابل ميزانية زهيدة ومتواضعة وهو ما يتطلب وجود إرادة سياسية تتعهد بإنقاذ التراث فعلا وليس قولا.