لها بصمتها الخاصة، ولدت في قبصة ومن تاريخ الحضارة القبصية اخذت الكثير من الافكار لتحولها الى لوحات تشكيلية تنتقل في اعمالها بسلاسة بين الرسم والنسيج.
تطوّع التراث في لوحاتها ليكون مادة خاما تعمل عليها وتعتمد اكثر على الالوان الاولية دون دمج لتكون نقية ولها إشعاعها ماجدة ادريسي متحصّلة على ماجستير مهني في الفنون والحرف بقفصة، تجربة تشكيلة مختلفة تنهل من عبق التاريخ ومنه تصنع ابداعا تشكيليا معاصرا لان كل فنان ابن بيئته حسب تعبيرها.
المرقوم القفصي: مساحة تشكيلة مهمة
هنّ سيدات اللون والحلم، حين تمسك الريشة تسكنها روح طفلة صغيرة تبحث عن الشغب والللعب فيكون اللون لعبتها المفضلة تنثرها ببهاء لتكون النتيجة لوحة تشكيلية تسرّ العين وتدفع الفكر للسؤال، من اسمها اخذت الكثير في أعمالها هي ماجدة ادريسي و في اعمالها تبدو الماجدة قوية ومثقفة ومتمسكة بهويتها وحضارتها.
الالوان ساحرة فالألوان مطيتها للعب والحلم، في كل لوحاتها تشدك الالوان لتقف امامها متسائلا عن ماهيتها، ماجدة الادريسي ابنة قفصة من مدينتها تعلمت الصمود ومن حضارتها اخذت الكثير لتكون لوحاتها محملا للحضارة والتاريخ أيضا، انتبهت الى كنز فني في مدينتها «المرقوم القفصي» فكان انموذجها للعمل وللإبداع وجمعت الرسم والنسيج في اعمالها المتعلقة بالمرقوم.
تعرّف نفسها بالقول «ماجدة ادريسي فنانة تشكيلية ذات بصمة معاصرة، اكثر اعمالي طرح للمواضيع المتعلقة بالموروث الثقافي والتراث» فالمرقوم يصبح مرجعا اساسيا للإبداع ، المرقوم القفصي برموزه الانثوية الجميلة ومعانيه القوية وألوانه الزاهية منه تستمد ماجدة ادريسي افكارها وتترك للريشة العنان لترحل بها الى عوالم الالوان والتراث فتقدم لوحات ذات خصوصية اساسها الحب كما يقول ابن الرومي:
لا تكن بلا حُب..كي لا تشعر
كأنك ميت
مُت في الحب وابق حيًا للأبد
في اغلب لوحاتها تنطلق من المحلي لتلامس الانساني « اشتغلت على التراث منه استمدّ الكثير من المعاني وسبق أن كان موضوع تخرجي استحضار المرقوم القفصي الذي يعتبر تسييجا ذي بعد اصيل وثري بجهة قفصة عرف في فترة القرن العشرين على يدي النساج الفنان حميدة وحادة (1926 - 2001) الذي أضفي إبداعات فنية أصلية وعصرية أعطت السجاد الفني التونسي خصوصية بالأسواق التونسية» حسب تعبيرها ، وتشير الفنانة انها تستحضر المرقوم ماديا دون تقليده من خلال العديد من التقنيات «مثل الرتق والفتق لفضاء اللوحة ودمجهما ليصبحا في مستوى واحد وهنا تبدأ الحرية في الالوان والأشكال وتتناثر في كل اتجاهات اللوحة و في هذا المجال كانت لوحة «تحرّر» التي اقتنها لجنة الشراءات لإدارة الفنون التشكيلية في العام 2018.
من عبق التاريخ تولد التعبيرات المعاصرة
تختلف المعاني والشيفرات، من الخطوط الى الدوائر الى الاشكال التجريدية وبين التجريب والواقعي تكتب ماجدة ادريسي افكارها على لوحاتها لتكون عنوان لدواخلها وتنقل علاقتها بواقعها وموروثها.
استمدت من مدينتها الشموخ من تاريخ قبصة اخذت الفنانة الكثير من التعبيرات التي حولتها الى اشكال ورسومات تميزها فالمتابع للمشهد التشكيلي يلاحظ بصمة ماجدة ادريسي وذلك هدفها « انا فنانة تشكيلية معاصرة، من البدايات ابحث عن مسيرة فنية مختلفة وأعمالي ذات صبغة تجريدية ومعاصرة ادمج فيها العديد من التقنيات والمواد على محمل اللوحة» كما تقدّم نفسها، رسامة ومشاكسة اهتمت بموضوع التراث ثمّ اخذت على عاتق ريشتها تقديم جزء من الموروث التونسي من خلال اثراءه وإخراجه من الحيز التقليدي الضيق الى فضاء اوسع وأرحب.
الخطوط تحاكي فضاء تجريبيا متجددا و الالوان البنية تتماهى مع لون التراب في الحفريات والحجارة القديمة الموجودة في المواقع الاثرية، خاصة و الرسامة تعمل تقنيا أول في معهد التراث وقد ساهمت تجربتها المهنية في صقل الموهبة التشكيلية لاقترابها اكثر من التراث بجزئيه المادي واللامادي فأصبحت اللوحات التشكيلية فضاء لمحاكاة التاريخ ومحاولة فنية لتقديم قفصة كما تراها الفنانة.
الالوان متباينة والتجربة اللونية في اعمال ماجدة ادريسي مبحث تشكيلي وعلمي تعمل عليه، فالألوان دائما تكون مباشرة دون دمج و تبقى القراءة اللونية «في لوحاتي اشبه بالنقاء والتنوع في تدرجاته وقوة اشعاعه» فاللون ايضا مبحث ومن التراث المادي والحضاري استمدت الرسامة الوانها الاولية في تجربتها التشكيلية.
من مهنتها في مجال التراث تعلمت ماجدة ادريسي الكثير اذ اصبحت اعمالها اكثر دقة من حيث المعنى والمعنى، اخر اعمالها لوحة تلخص الحضارة القبصية وتتعمق في جذورها عنوانها «فالعمق» وهي لوحة بعد جملة من اختزال للعناصر تاريخية من رمادية موقع اثري ومن البقايا التي تشكلت في شكل حلزوني من الأحواض الرومانية” كما تعرفها صاحبتها.
ماجدة ادريسي فنانة تشكيلية تونسية جمعت بين الرسم والنسيج واستطاعت المزج بينهما بكل تلقائية وحرفية، فنانة متشبعة بموروث مدينتها وحضارتها منه تنهل مواضيعها الاولية التي تختمر لتتحول الى ابداع فنّي، رغم بعدها عن العاصمة تطمح الى ترك بصمتها في المشهد التشكيلي التونسي، فنانة تؤمن ان المرأة باعثة الخلق والحلم وتسعى دائما للتفرد فيما تقدمه من لوحات تشبه قفصة من حيث التاريخ والتنوع والبهاء، شعارها مقولة ديستويفسكي «إنني أحاول جاهدًا أن أَكون نفسي، ولا يهمني كثيرًا هل يقبل الناس أم يرفضون ذلك».