المشيشي يقيل وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي: عقاب على «التمرد» في وجه الحكومة أم تصفية حسابات مع قيس سعيد ؟

في «أمر دبّر بليل» وتحت جنح الظلام الدامس، أعلنت رئاسة الحكومة عن إقالة وزير الشؤون الثقافية من مهامه بعد انقضاء شهر فقط على جلوس

دكتور اللغة العربية وليد الزيدي على كرسي الوزارة. هذه الإقالة لم تكن مستبعدة بل كانت متوقعة سيما بعد «تمرد» الوزير على قرار رئيس الحكومة هشام المشيشي بمنع التظاهرات الثقافية واصطفافه إلى جانب الفنانين في الدفاع عن مورد رزقهم... لقد طالب الفنانون الوزير باتخاذ قرار جرئ وشجاع لصالح القطاع الثقافي. ويبدو أن هذا القرار قد أطاح بالوزير ولكنه ضمن له الخروج من الباب الكبير في عيون الكثيرين !

عند التحاقه يوم الاثنين 5 أكتوبر الجاري بالوقفة الاحتجاجية للفنانين بمدينة الثقافة تنديدا بإيقاف التظاهرات الفنية، كان وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي يدق آخر مسمار في نعش الإبقاء عليه ضمن فريق حكومة المشيشي خصوصا بعد تصريحاته «الثائرة» على قرار رئيس الحكومة والمتعاطفة مع الفنانين...
الزيدي يعبث بهيبة الحكومة أم ينتصر لحقوق الفنانين

كان وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي على علم بأنه لن يعمّر في مكانه طويلا ليس لأن المناصب والسياسة «بحر هائج مائج لا قرار فيه ولا استقرار» على حدّ قوله، بل لأنه يعي جيّدا أنه فرض قسرا على رئيس الحكومة بعد تزكيته من الرئيس قيس سعيد.

في المقابل ، كان الوزير وليد الزيدي يعرف كل شاردة وواردة عن تشكيك الكثير من أبناء القطاع الثقافي في قدرته على قيادة سفينة الوزارة وهو الفاقد للتجربة والخبرة والممارسة الإدارية حتى إنه يحفظ عن ظهر قلب أسماء كل من صدح في وجهه بالرفض أو نادى بمطلب ما ... لقد اختار الوزير عن قصد أو دون تخطيط أن يثبت للفنانين أولا وأخيرا أنه - على عكس ما يعتقدون- قادر على الدفاع عنهم والتعبير بلسانهم والوقوف معهم حتى ضد السلطة نفسها!

لقد تعاطف الوزير مع مطالب الفنانين واصطف إلى جانبهم في اعتبار أن قرار الحكومة بمنع التظاهرات الثقافية ضيم وظلم تجاه مواطنون في النهاية سيخسرون دخلهم المادي. في تصريحه بأن الوزارة ليست مطالبة بتنفيذ بلاغات الحكومة، وكان الوزير على وعي بأن هذا «التمرد» على الحكومة قد يكلفه الكثير. وبتأكيده أنه لن يتخلى عن الفنانين وأن التظاهرات الثقافية لن تلغى، كان الوزير يعلم بأن هذه الجرأة قد يكون ثمنها الإقالة.

ويبدو أن وليد الزيدي اختار أن يسدّد هدفا في مرمى الحكومة قبل إقالته بالخروج في مظهر «البطل» نصير الحق وصديق الفنانين الذي حتى وإن لم يكن تعيينه موّفقا فإنّ إقالته كانت مشرّفة.

إقالة ثانية بعد إقالة أولى منعها قيس سعيد
منذ اقتراحه وزيرا للشؤون الثقافية، لم يحظ وليد الزيدى بالإجماع ولا القبول من الأغلبية حيث اعترض الكثير من الفنانين والمثقفين على تعيين وزير بلا كفاءة ولا خبرة على رأس وزارة تغرق في الوحل وتتخبّط في بحر من الإشكالات والديون... أمام هذا الرفض لشخصه، سارع أستاذ البلاغة وليد الزيدي بكتابة تدوينة قال فيها إنه يتعفّف عن منزلة الوزير قبل أن يسارع بإضافة «قد» ليقول بأنه قد يتعفف عن تسلم مهام وزارة الشؤون الثقافية. بدوره لم يمهل رئيس الحكومة هشام المشيشي وزيره المقترح وليد الزيدي مهلة للتثبت من أمره في قبول الوزارة من عدمه، بل وجد في تردد وزيره فرصة سانحة لتنحيته خاصة بعد الكم الهائل من الاعتراض على الاستهتار بوزارة الشؤون الثقافية.
حينها أصدر رئيس الحكومة بلاغا قال فيها إنه تخلى عن وليد الزيدي وزيرا للشؤون الثقافية «لا مجال للتردد في خدمة تونس والتعفف عن تلبية نداء الواجب الوطني». إلا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد سارع في اليوم ذاته بدعوة وليد الزيدي إلى قصر قرطاج كتعبير صريح عن دعمه ومساندته لتسلم دكتور العربية حقيبة وزارة الشؤون الثقافية.
وكان لقيس سعيّد ما أراد حيث جلس وليد الزيدي على كرسي وزارة الشؤون الثقافية ولكن يبدو أن رئيس الحكومة هشام المشيشي لم يغفر لوزيره تردده في قبول الوزارة منذ البداية وأضمر في نفسه «الثأر» لهيبة صلاحياته .... وأخيرا كان «تمرد» الوزير على قرارات الحكومة الضربة القاضية التي أطاحت به واتخذها رئيس الحكومة تعلّة للتخلى عنه وإعفائه.

الفنانون يحتجون اليوم أمام مقرّ الحكومة
في مدينة الثقافة، احتج الفنانون على منع عروضهم وتجفيف منابع رزقهم وتحميلهم لوحدهم ضريبة الكورونا... فالتحق بهم الوزير وليد الزيدي وحاول امتصاص غضبهم وطمأنتهم بأن الحياة الثقافية ستتواصل ... فكان أن أطاح هذا التعاطف بوزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي دون أن تحرّك الحكومة ساكنا لتظلم أبناء القطاع الثقافي.
على إثر تمسك الحكومة بقرار إلغاء التظاهرات الثقافية و بغلق قاعات المسرح و السينما بداعي الوقاية من وباء الكورونا، رغم أن هذه الفضاءات هي الأكثر تطبيقا للإجراءات الاحتياطية من تباعد جسدي وتعقيم، دعت النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية جميع المسرحيين و الفنانين و الهياكل النقابية الفنية إلى وقفة احتجاجية اليوم الأربعاء 07 أكتوبر 2020 على الساعة 10 صباحا ، أمام قصر الحكومة بالقصبة. و ذلك للمطالبة بحقهم في الحياة وعدم منع نشاطهم و عروضهم و إلغاء الحجر الثقافي المفروض عليهم قسرا. كما دعت النقابة جميع مكاتبها الجهوية إلى تنظيم وقفات احتجاجية غدا وفي التوقيت ذاته أمام مقرات ولاياتهم للمطالبة بالمطالب نفسها.
فهل يجد الفنانون من يستمع لشواغلهم ويحفظ كرامتهم؟ وهل يتعظ رئيس الحكومة هشام المشيشي من الدرس و لا يستخف بهيبة وزارة الشؤون الثقافية عند تعيين وزيرها؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115