العرض الأول لمسرحية «الذاكرة»: اتهام للمحامين والحقوقيين باتلاف الملفات والانتصار للجلادين

هل نُسيت جرائم النظام السابق؟ هل وقعت المصالحة وأتلفت ملفات وأسندت تعويضات للبعض ونسى البعض الآخر عن سوء نية؟

هل سامح كل المتضررين والمعذّبين والمقهورين أم أنهم تظاهروا بالمسامحة ليواصلوا حياتهم بهدوء فيه الكثير من الذكريات الموجعة والعذابات؟ هل حاول المحامون حقا الوقوف ضد «السيستام» المعتمد على الترهيب والتعذيب للحصول على معلومات؟ وهل ينسى السجين أو المعذّب ما تعرض إليه من إهانة في الإيقاف؟ جميعها أسئلة تطرح في مسرحية الذاكرة.
«الذاكرة» عمل انتجته نتجته شركة «آرتيس للإنتاج» بالشراكة مع مسرح الأوبرا ويؤدي أدواره كل من صباح بوزويتة ورضا بوقديدة وعلاء الدين أيوب وسينوغرافيا سليم الصنهاجي وهو مقتبس عن مسرحية «الموت والعذراء» لتشيلي «اربيل دورفمان» وعرضت المسرحية ضمن فعاليات «الخروج الى المسرح» الذي ينضمه قطب المسر والاوبرا بمدينة الثقافة.

الذاكرة كما الوطن: يسكنها الخوف والضياع
الذاكرة هي زاد الإنسان هي وسيلته لاستحضار الماضي وإعادة تركيب صور يحبها وأحيانا يخفي أخرى غير مرغوب فيها لكن حين تكون الذاكرة معطوبة ومشوّشة يحدث الوجع والانهيار النفسي إلى حد الجنون أحيانا.
وذاكرة «نزهة» أو «كنزة «صباح بوزويتة» كانت مشحونة بكل صور الوجع والقسوة والوحشية، صور الخوف ورائحة المغتصب وموسيقى الجلادين جميعها سكنت ذاكرتها وشوّشتها إلى حدّ الوصول الى مستشفى الامراض النفسية وبعدها قررت علاج ذاتها بالكتابة فتستحضر عذاباتها وتشارك الجمهور فيها.

موسيقى صاخبة إحدى المقطوعات تدعوك للرقص كلما زادت الموسيقى تراقصت الأضواء فأبهرت أكثر لتشع كامل الركح، مجموعة من الستائر البيضاء على كامل الفضاء اختيار الأبيض هنا يرمز إلى الذاكرة التي تريدها صاحبتها بيضاء شفافة لتستطيع العيش.

امرأة ورجل «صباح بوزويتة و»علاء الدين ايوب» يحملان حقائبهما يفكران بالمغادرة، مجموعة من الكراسي المتناثرة والضوء يسلط على مربع صغير يشبه الحائط، المكان يبدو خرابا ومهجورا هما الاثنان فقط فيه ويريدان الهرب والذهاب حيث لا يراهما احد، ومع تقدم الأحداث يصبح المكان أمكنة فهو منزل على البحر وهو السجن وهو غرفة التعذيب وهو مكتب التحقيق وهو المستشفى ورائحة الأدوية وأصوات الممرضين، كل هذه الأمكنة يستشعرها المتفرج وهي موجودة فقط في ذاكرة المرأة.
«الذاكرة» مسرحية نقدية في العمل تتشابه مع ذاكرة المرأة مع الوطن فكلاهما يشبه الاسفنجة امتص كثيرا من الوجع والدماء والخوف، ذاكرتها تتماهى مع ذاكرة الوطن من حيث التعذيب و القسوة وانتشار الفساد، في المسرحية صراخات ذاكرة امرأة معذبة هي عينة عم مئات النساء اللواتي تعرضن للعنف في ظل نظام استبدادي اراد تقييد الافكار الحالمة فاغتصب الاجساد وحاول طمس الذاكرة.

حين تصبح الضحية الجلاد؟ كيف تكون المحاسبة؟
الرجل أنيق المظهر يريد حضور اجتماع مهم هو محام معروف صوره في الجرائد ويحضر في الفضائيات ليتحدث عن تحقيقات ما بعد الثورة وهو من معارضي النظام وتحصل على منصب مهم «رئيس لجنة التحقيق».
«كنزة» تستحضر وجعها تريد إفراغ ذاكرتها من كل السواد يتهمونها بالجنون بينما سبب الألم هو الذاكرة ترفض أن تنسى قبل محاسبة جلاديها تحمّل زوجها مسؤولية ما حدث لها لأنها أوقفت بدلا عنه وتعرضت للعنف والاغتصاب ورفض تصديقها وأخذها إلى مستشفى الأمراض النفسية علّها تعود كما كانت، طموحه اكبر من عذاباتها، ظنّ أنها نسيت لكن الصدفة وضعت في طريقهما الدكتور «رضا بوقديدة» لتنقلب الأحداث وتصبح المساءلة واقعية ثلاثية.

تجمع فيها كنزة زوجها المتنصل من ذكرياتها والدكتور احد جلاديها ومغتصبيها، ثلاثتهم يدورون في فلك المساءلة والتحقيق والبحث عن الحقيقة النسبية، فكنزة تبحث عن الحقيقة مسجلة تريدها ممضاة من طرف الدكتور يشهد فيها على ما حدث في التحقيق، والدكتور يرى انه على حقيقة لأنه كان ينجز عمله «أعاين الموقوف واخبرهم هل لازال قادر على الصمود أمام التعذيب أم لا، كنت أحاول إنقاذهم من الموت والإعاقات الدائمة» و الزوج المحامي يرى انه على حقيقة «لأنني سمعت وأرسلت رفيقا لينبهك لكنهم وصلوا قبلي» جميعهم يمتلكون الحقيقة من وجهة نظره لكن رغبة كنزة في إفراغ ما بذاكرتها كان اشد صلابة وقسوة.

وما التسارع في الايقاع والموسيقى مع حركات الممثلين اثناء المساءلة الا إحالة الى ما شهدته تونس بعيد الثورة من انفلاتات ومحاولة جلد الضحية وتبرئة الجلادين وتهريب اشخاص وإتلاف ملفات وصراعات المحامين والقضاة والحقوقيين والسياسيين.

في الذاكرة تترك المهمة لثلاثة من كبار المسرح ليقدموا عمل يسائل لجان التحقيق فيما حدث قبل الثورة وبعيدها، فالمسرح سؤال مقلق أزلي، ثلاثتهم يسائل الحقوقيين الحاليين عن الملفات المتلفة؟ يسألونهم عن الحقائق التي لم تكشف بعد، بنص ساخر أحيانا يسالون عن عذابات المنسيين عن مواطنين اجبروا على الاعتراف بجرائم تحت التعذيب، عمن تناستهم حكومات ما بعد الثورة، يسائلون الشارع التونسي عن التزامه بالصمت والمشاهدة أمام ما تعيشه البلاد من نزاعات سياسية، في المسرحية وقع الابتعاد زمنيا عن فترة الثورة ليكون العمل أكثر حيادية بعيدا عن الانفعالية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115