فضاء «ارسطوفانيس»: تتواصل المعاناة أمام تجاهل السلطة

هل أصبح الحلم مثقلا لكاهل الفنان؟ هل بات الايمان بدور الفنون في التغيير وقدرتها على زراعة الامل وسط سوداوية المجتمع يوهن فكر المثقف؟

هل بات الحلم بلامركزية ثقافية حقيقية وجعا يلازم الباحثين عن التجديد والحالمين بكسر الحواجز التقليدية لتقديم مشهد ثقافي بديل؟ هل اصبح الفعل الثقافي يوهن اصحابه ويكون سبب حزنهم وشعورهم بالعجز؟
ذلك جزء من الاسئلة المطروحة دائما كلما تعلق الامر بفضاء ثقافي وليد؟ او فضاء ثقافي خاص خارج المركز وخارج العاصمة؟ والاسئلة تطرح امام معاناة اصحاب فضاء ارسطوفانيس بوادي الزرقاء من ولاية باجة، الفضاء بعد انهاء عقد التسويغ يواجه قابلية الموت ومعه تلاشي احلام الكثير من الاطفال من رواد الفضاء والمتمتعين بأنشطة نواديه.
الحق في الثقافة يكفله الدستور؟
«أشعر بالإجهاد النفسي إلى حدّ التفكير في الانتحار، فالفن يثقلني والحلم بات شديد الضيق» بهذه الكلمات الموجعة تحدث الفنان المسرحي خبيب العياري عن تعامل السلطة مع فكرة اللامركزية الثقافية.
خبيب العياري مواطن تونسي الجنسية، فنان حالم لا يعرف مدى وأفقا لأحلامه اختار قريته «وادي الزرقاء» لانجاز اول فضاء ثقافي خاص هناك في ولاية باجة، فنان يؤمن ان للمسرح دور توعوي وتثقيفي وأنه بالفنون يمكن تكوين جيل واع وقادر على تحمل المسؤولية في اطار نشر ثقافة المواطنة عبر المسرح والسينما والفنون بكل تلويناتها ، وفي وطن يعتمد ساسته ومسؤولوه كثيرا على الشعارات لا التطبيق وجد خبيب العياري نفسه في مواجهة البيروقراطية التي تصمّ اذانها عن نداءات الفنان.
خبيب العياري فنان سكنه هاجس الابداع وآمن بلامركزية الثقافة وضرورة ايصال الفعل الثقافي الى جميع التونسيين، فحلم وكان اسم حلمه «ارسطوفانيس» اول فضاء ثقافي خاص في ولاية باجة تحديدا قريته وادي الزرقاء، الفضاء ولد في جوان 2018 وفي عامين بات قبلة الاطفال الباحثين عن مكان يحوي احلامهم الصغيرة وفضاء يؤثث اوقات فراغهم، وكانت للأطفال لقاءات اسبوعية مع نوادي المسرح والكورال والسينما، بالإضافة الى توسع الفضاء وانفتاحه على القرى المجاورة مثل وادي الزيتون والجديدي وقصر الشيخ وتوكابر وشواش وسيدي نصر والهرية وزالدو وأولاد سلامة، مزوغة وتقديم اعمال فنية ولقاءات ذات بعد نفسي واجتماعي لإعادة ادماج مجموعة من المواطنين وتعريف المرأة العاملة بحقوقها ومرافقة الاطفال نفسيا من خلال الفنون.
أرسطوفانيس فضاء لأبناء وادي الزرقاء والقرى المجاورة كان فرصتهم لإشباع عطشهم للإبداع ووسيلة للدفاع عن حقّ المهمشين في الفنون، حق ضمنه الدستور وها نحن نحاول تطبيقه حسب تعبير الفنان المسرحي خبيب العياري.
«رزق البيليك» مفتوح للفضلات ومغلق امام الفن؟
الفضاءات الثقافية الخاصة خارج المركز حلم فنانين شباب يبحثون عن البديل ويحاولون ترسيخ الفعل الابداعي في جهاتهم، تجربة تواجه الكثير من الصعوبات في كل البلاد تقريبا فاغلب الفضاءات الثقافية الخاصة تقابل بلامبالاة السلطة رغم اقبال الناس عليها ونجاحها في تكوين قاعدة جماهيرية، فضاء المسرح الصغير في مدنين تتشابه معاناته مع «قاعة سينما الشعانبي» وهاهو فضاء ارسطوفانيس هو الاخر يلتحق بركب المعاناة امام تعنّت السلطة وبيروقراطية الادارة التونسية حسب تعبير مديره.
«اسرطو فانيس» اول فضاء ثقافي في واد الزرقاء تسوّغ صاحبه الفضاء لمدة عامين وها قد انتهى عقد الكراء وبات البحث عن مكان اخر لاحتضان الافكار ضرورة ملحّة، ولذلك توجه ابناء ارسطوفانيس وصاحبه الى الولاية بمراسلة علّها تساعدهم ليتسوّغوا فضاء «المستوصف» سابقا، و»المستوصف» مساحته قرابة الالف متر ويوجد قرب المدرسة الابتدائية بوادي الزرقاء في قلب المدينة وهو شاغر منذ عدة اعوام (بعد ان تمّ نقل المستوصف الى مكان اخر اكبر)، وفي تصريح سابق لـ«المغرب» أكدت زينب فرحات رئيسة نقابة الفضاءات الخاصة «وزيرة الشؤون الثقافية السابقة تقدمت بدعوة الى اصحاب الفضاءات الخاصة لإيجاد فضاءات تتبع الدولة وبذلك يمكن التنسيق بين الوزرات ومصالح الدولة والتسهيل في عملية تحويلها من فضاءات مهجورة الى فضاءات ثقافية» فأين استمرارية الدولة؟ ام انّ لكل وزير وعوده؟.
وفي تصريح لـ«المغرب» يقول العياري البناء تقنيا «زال الانتفاع به» من قبل وزارة الصحة وفي المراسلة الى الولاية طلب العياري امكانية ان يصبح الفضاء «الخرابة» فضاء ثقافيا «هل يعقل فضاء وسط المدينة مغلق منذ اعوام بات وكرا للفضلات و السرقة والنهب ، فضاء بمواصفاته التقنية مغلق امام الثقافة؟

نحن توجهنا بمراسلة الى الولاية لتقدم لنا الصيغ القانونية لكراء الفضاء لا نريده مجانا، بل نريده ان يصبح نوّارة عوض رائحة الفضلات التي تزكم أنوف المارة والتلاميذ نريد ان تصدح منه الموسيقى وتفوح رائحة عطر الثقافة؟ فهل من مجيب؟».
وتوجه خبيب العياري برسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير املاك الدولة ووزير الشؤون الثقافية ووالي باجة قال فيها «أنا المواطن خبيب العياري، اخترت ايمانا بلامركزية الثقافة وإيمانا بتحقيق اهداف الثورة وتطبيق الدستور التونسي القائل بنشر الفعل الثقافي، انجاز فضاء ثقافي في واد الزرقاء لايصال الفنون الى ابناء القرية والقرى المجاورة، اخترت ان نقدم الفنون الى 18الف نسمة محرومة من النشاط الابداعي، قدمنا اكثر من تظاهرة ومجموعة من الانشطة الموجهة خاصة للطفل، كنا قد تسوغنا فضاء على وجه الكراء واليوم نبحث عن فضاء جديد واكبر و المستوصف سابقا المهجور الان تتوفر فيه الشروط التي نبحث عنها، تقدمنا بمراسلة الى الولاية ولا زلنا ننتظر ان تجيبنا، ولازلنا نبحث عن مسؤول يقبل ان ينصت الينا والى افكارنا ولو لمدة عشر دقائق فهل من مجيب؟».
ويؤكد العياري انّ الموضوع لا يتطلب الكثير من الوقت يكفي ان يرسل الوالي مراسلة الى الادارة الجهوية للصحة بباجة وبدورها تقدم مراسلتها الى وزارة الصحة تقول فيها ان الفضاء «زال الانتفاع به» لتعود الكلمة الاخيرة لوزارة املاك الدولة، العملية الادارية لا تتطلب الكثير متى توفرت الارادة، لكن يبدوا انّ ارادة مسؤولينا شبه غائبة امام الفعل الثقافي والاستثمار في الثقافة.

ويشير محدثنا إلى أنه وقع التقدم بالملف الى الولاية وتضمن كل الاوراق المطلوبة من مراسلة رسمية الى المسندات القانونية لإحداث الفضاء الى التقرير الادبي والمالي المتعلق بنشاط العامين الفارطين الى صور للمستوصف في وضعيته الحالية ومشروع التهيئة مع بيان في الطاقة التشغيلية وعدد العاملين الذين سنشغّلهم وصور عن انشطتتنا لعامين و«ها أننا ننتظر بلهفة الاطفال أن تجيبنا الولاية، لكننا لن ننتظر طويلا لانّ الثقافة حقّ والحقوق لا تهدى».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115