وفي سياق إجراءات مخصوصة تحكمها اتفاقيات مدروسة. ولأن كل شيء قد تعطل في زمن الكورونا فقد بقيت عديد الكنوز الأثرية عالقة في إيطاليا بعد خروجها من تونس سنة 2019. وهو ما أثار اللغط والجدل الواسع حول اختفاء « درع جندي من عساكر حنبعل» من متحف سلقطة. واختلط الأمر ما بين القطعة الأصلية بمتحف قرطاج ونسخة متحف سلقطة. ومن هنا وهناك، توّلدت التشكيكات والاتهامات إلى حد اتهام المعهد الوطني للتراث بالتفريط في التراث!
في الأشهر الأخيرة احتل الحديث عن « درع جندي من عساكر حنبعل» الصدارة والاهتمام سيما بعد أن طالب العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة وزارة الشؤون الثقافية بفتح تحقيق في الموضوع ولم يخف شكوكه في إمكانية الاستيلاء على القطعة الأصلية لدرع حنبعل بمتحف باردو وتعويضها بنسخة سلقطة للتغطية على تقصير ما !
استرجاع 81 قطعة أثرية بواسطة الطائرة والباخرة
أمام سيل الادعاءات وتشعب التأويلات، كان المعهد الوطني للتراث قد تدّخل لوضع حدّ لكل المغالطات مؤكدا أن النسخة الأصلية من «درع جندي من عساكر حنبعل» تم عرضها حقا في المعرض الدولي « قرطاج في روما » الذي أقيم في الفترة الممتدة من 26 سبتمبر 2019 إلى 29 مارس 2020 تحت شعار «الأسطورة الخالدة » وفق ما تنص عليه بنود الاتفاقية الممضاة في 20 فيفري 2019 بين الدولة التونسية والحكومة الإيطالية. غير أن وباء كوفيد 19 الذي اجتاح إيطاليا حال دون تواصل المعرض.
وبعد أن وعد المعهد الوطني للتراث باستعادة «درع جندي من عساكر حنبعل» وغيره من القطع الأثرية التي أثثت معرض روما في شهر سبتمبر الجاري ، صرّح المدير العام للمعهد الوطني للتراث فوزي محفوظ «أن فريقا من متكونا من خمسة أشخاص من إطارات المعهد قد وصل إلى إيطاليا خلال الساعات الأخيرة في احترام لكل الإجراءات لاسترجاع كل القطع الأثرية التي تم عرضها بروما في الأشهر الماضية».
وكشف المدير العام للمعهد الوطني للتراث أنه سيتم استرجاع 81 قطعة أثرية تمت استعارتها من متحف قرطاج و المتحف الوطني بباردو و المتحف الأثري بكركوان بالإضافة إلى متحف نابل و المتحف الأثري بالجم وسوسة بعد التثبت والتحقق من سلامتها. كما أفاد أن القطع الثمينة ستعود إلى تونس بعد شحنها على متن الطائرة على غرار «درع جندي من عساكر حنبعل» وكذلك أقدم جواز سفر في العالم منقوش على العاج ويعود إلى الفترة البونية... أما بقية القطع فسترجع إلى تونس بحرا عبر الباخرة كما تم نقلها في ظروف جيدة. ومن المنتظر أن تعود كل القطع الأثرية إلى بلادنا يوم 19 سبتمبر 2020.
وأكد المدير العام للمعهد الوطني للتراث فوزي محفوظ أن «المعهد سيبقى حريصا دائما على التراث حاميا له ومثمنا لقيمته... ولن يخون أبدا هذه الأمانة».
تأمين مالي وحراسة مشددة للقطع الأثرية عند نقلها
منذ تاريخ اكتشافه سنة 1909من قبل عالم الحفريات الأثرية الفرنسي «أفراد مارلان» بالقرب من مدينة سلقطة، بقي «درع جندي من عساكر حنبعل» هو من معدن البرنز بمتحف باردو. و قد تم إخراجه خارج البلاد التونسية في عديد المرات للمشاركة في معارض تهم تاريخ قرطاج وحضارة المتوسط عموما منها على سبيل المثال : معرض ألمانيا سنة 2005 ، واليابان سنة 2010 وايطاليا (بارليتا) في مرة أولى سنة 2016 و ايطاليا (روما) مرة أخرى 2019 . ولأنها ليس المرة الأولى التي يتم فيها عرض قطع أثرية خارج تونس ولن تكون الأخيرة، فقد دعا عضو النقابة الأساسية لسلك محافظي التراث توفيق عمري إلى تجنب نشر أو تصديق الأخبار الزائفة واستقاء المعلومة من مصادرها الرسمية . كما أشار إلى أن الفريق الذي حلّ بإيطاليا والمتكوّن من أستاذة جامعية وأربعة من محافظي التراث سيعيد كل القطع الأثرية بمعرض روما بما في ذلك درع الجندي الروماني أو درع سلقطة الذي أصبح شهيرا لينتهي بذلك الجدل.
وأكد توفيق عمري في تصريحه لـ«المغرب» أن كل القطع الأثرية سواء كانت أصلية أو مقلدة يقع التأمين عليها بتقدير قيمتها الأثرية ماليا ولو بصفة رمزية والتي تصل إلى عشرات المليارات قصد حمايتها من الضياع أو الكسر أو السطو... وغيرها من الأخطار المحدقة بالآثار. كما يتم نقلها إلى المعارض الأجنبية وسط حماية أمنية مشددة عند الذهاب وعند العودة».
ولئن أشاد عضو النقابة الأساسية لسلك محافظي التراث توفيق عمري بدور المجتمع المدني في معاضدة جهود المعهد الوطني للتراث وفضح الكثير من التجاوزات ومظاهر الاعتداء عليه... فقد ندّد بمحاولات المساس من مصداقية أعوان المعهد والتشكيك في أمانتهم... وأكدّ توفيق عمري أن أبناء المعهد الوطني للتراث هم أشد حرصا على حماية الثروة الأثرية والتاريخية ومطالبة ملحة لإصلاح القطاع على غرار إعادة الهيكلة وتنقيح التشريعات المتآكلة وغيرها من المطالب العاجلة...
بعد أن أثار غيابه من متحف سلقطة الجدل: «درع جندي حنبعل» سيعود من إيطاليا إلى تونس بعد يومين
- بقلم ليلى بورقعة
- 09:05 17/09/2020
- 1719 عدد المشاهدات
كثيرا ما تتبادل الدول في ما بينها القطع الأثرية والأعمال الفنية الثمينة لاستضافتها في معارض ضمن استضافة وقتية