وما بين مصافحة قدوم بأصابع الفن وتحية وداع بيد الفن أيضا، نجح ماكرون في سرقة الأضواء وإدارة أعناق كل العرب وربما العالم إلى هذا الدهاء السياسي و هذا الذكاء الماكر في استقطاب الاهتمام والعزف على أوتار جماهيرية فيروز وهي الفنانة التي في مرتبة الأسطورة وفي استثمار القاعدة الشعبية العريضة للفنانة ماجدة الرومي.
3 أيام قضاها الرئيس الفرنسي ماكرون في لبنان ضمن برنامج متعدد اللقاءات ومتنوع الوجهات إلا أن الفن هزم السياسة بالضربة القاضية، فلاشيء بقي من هذه الزيارة سوى صور ماكرون مع فيروز ومع ماجدة الرومي.
ماكرون يقتحم عزلة فيروز ويجبرها على الابتسام
«فيروز هي الأغنية التي تنسى دائما أن تكبر،هي التي تجعل الصحراء أصغر، وتجعل القمر أكبر» هكذا قال محمود درويش عن فيروز وكذلك قيل الكثير عن صوتها المخملي وشدو البلابل في حنجرتها ورقص السنونوات في مدارات شفتيها ... ولأن فيروز أكبر من الأباطرة وأقوى من الملوك في حشد جيوش المعجبين والعاشقين والمريدين من كل أصقاع العالم، يبدو أن ماكرون أراد اختلاس شيء من قدسية هذه المرأة الخالدة والاقتراب من هالة ملاك اسمه «فيروز».
لقد نجح ماكرون في ما لم يستطعه اللبنانيون أنفسهم، فهو الوحيد الذي أخرج السيدة فيروز من عزلتها وصمتها ، ووحده فتح الأبواب ودخل منزل سيدة الصباحات والمساءات وكل الأوقات، ووحده انتزع ابتسامات طويلة وعريضة من امرأة لا تبتسم إلا باحتشام، ونادرا ما تبتسم فيروز!
إن هدية الرئيس ماكرون إلى الفنانة فيروز، كانت ثمينة وتليق بفنانة صوتها قادم من السماء كما وصفها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. لقد قلّد الرئيس الفرنسي السيدة فيروز وسام جوقة الشرف من رتبة «كوموندور»، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا، لتبادل فيروز الهدية بهدية تمثلت في لوحة فنية.
عقب اللقاء معها، قال ماكرون في لبنان :» قطعت التزاما لفيروز، مثلما أقطع التزاما لكم بأن أبذل كل شيء حتى تطبق إصلاحات ويحصل لبنان على ما هو أفضل. أعدكم بأنني لن أترككم وفقا لوكالة «رويترز». كما وصف فيروز بأنها «جميلة وقوية للغاية»، وقال: «تحدثت معها عن كل ما تمثله بالنسبة لي عن لبنان نحبه وينتظره الكثير منا.. عن الحنين الذي ينتابنا».
أما فيروز فلم تقل شيئا وعادت إلى صمتها وعزلتها، وعاد الباب الذي فتحته لماكرون موصدا محكم الغلق على سيدته فيروز ... وحتى إذا صمتت فيروز، فإن أغانياتها لا تكف عن الكلام والبوح والأحلام ...
ماجدة الرومي ولبنان وأحضان ماكرون
قبل الرحيل والعودة إلى «عاصمة الأنوار» اختار الرئيس الفرنسي ماكرون أن تكون خاتمة زيارته إلى «بلاد الأرز» قوية ومدوية وبوقع مؤثر كما كانت البداية . فلئن التقى بالسيدة فيروز في البداية فإنه التقى بماجدة الرومي في النهاية، وما بينها سرق ماكرون كل الأضواء وتصدر كل المواقع. فلا حديث إلا عن صور ماكرون في توسيم فيروز ثم صور ماكرون في تبادل الأحضان مع ماجدة الرومي.
لم يكن لقاء ماجدة الرومي مبرمجا مسبقا بالعودة إلى برنامج زيارة ماكرون الرسمية إلى لبنان، إلا أن التقاء الفنانة والرئيس خرج من حدود الرسميات والبروتكولات ليتحوّل إلى لحظات بكاء وعناق !
على عكس فيروز لم تصمت ماجدة الرومي بل باحت بتفاصيل اللقاء والحديث وشعور اللحظة.
وقد كشفت الصفحة الرسمية للفنانة ماجدة الرومي عن تفاصيل لقائها مع إيمانويل ماكرون موضحة أن «الرئيس الفرنسي تأثر لكلام ماجدة الرومي التي رأت الدمعة في عينيه فعانقها وكأنه بها يعانق الشعب اللبناني ليقول: ستكونون بخير».
وقالت الفنانة ماجدة الرومي في مقطع فيديو نشر على صفحتها الرسمية أنها «أعربت عن شكرها الشديد للرئيس الفرنسي لما فعله مع لبنان، مضيفة :»قلت له بأني تأثرت كثيرا لزيارته إلى السيدة فيروز ولمست فيها روح لبنان الحلم والمنفى الذي نحبّه، فأحسست وأنا أتحدث عن فيروز أنه كان متأثرا ولمحت دموعا في عينيه، فعانقها وكأنه بها يعانق الشعب اللبنانى...».
كما نشرت الصفحة الرسمية للفنانة ماجدة الرومى صور من اللقاء عبر فيس بوك وعلّقت «أراد الرئيس الفرنسى أن يختتم زيارته إلى لبنان بلقاء السيدة ماجدة الرومى تشديداً على رغبته بإبراز وجه لبنان الفنى الحضارى، وعبّر لها عن رغبته فى رؤية تعاون فنى لبنانى فرنسى بهدف مساعدة لبنان للنهوض من محنته».
بقطع النظر عن الخلفيات السياسية والقراءات الحزبية لزيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان، فالثابت هو أن ماكرون كان أذكى الرؤساء في زيارة غير عادية وغير مألوفة لبلد يعاني من الخراب والدمار والإفلاس . إذ ظهر في صورة الصديق الصادق والأمين... الذي يبكي على لبنان ويحبه كما غنت له فيروز وكما شدت لبيروت ماجدة الرومي. لولا الفن ولولا فنانات لبنان اللاتي كنّ خير سفيرات لوطنهن، لما كانت زيارة ماكرون إلى لبنان بهذا الوقع وهذا الصدى.