هل خالف قيس سعيد الدستور في إصراره على تعيين وليد الزيدي؟ مثقفون وفنانون ينتفضون على الاستخفاف بوزارة الشؤون الثقافية

لم يحدث أن أثار وزير للشؤون الثقافية ما خلّفه اختيار وليد الزيدي من جدال وسجال ! لا بصفته أصغر وزير في حكومة هشام المشيشي

ولا لكونه أوّل وزير ضرير في تونس بل لأنه الوزير الذي ينسحب ويعود إلى كرسي الوزارة بأداة «قد». إذ كانت براعة الزيدي في البلاغة أرجوجة لللعب ما بين الانسحاب «أتعفّف عن الوزارة» والاحتمال «قد أتعفّف» في غضون دقائق معدودات! وفي تلقف للأمر سارع رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي إلى الإعلان عن التخلي عن وليد الزيدي مؤكدا أنه «لا مجال للتردد في خدمة تونس ولا للتعفف عن تلبية نداء الواجب الوطني». إلا أنّ قيس سعيد تدّخل في اليوم نفسه فاتحا أحضانه لوليد الزيدي في قصر قرطاج داعما إياه وزيرا للشؤون الثقافية. وبالفعل غلبت إرادة الرئيس صلاحيات رئيس الحكومة، وأدّى وليد الزيدي اليمين الدستورية!
لم تحظ تسمية دكتور اللغة والآداب العربية باجماع أهل الثقافة والفكر والفن... ويري العديد من المفكرين و المبدعين أن «ابتلاء» وزارة الشؤون الثقافية بوزير بلا خبرة ... هو انعكاس لنظرة الحكومة للثقافة كعجلة خامسة وفي المرتبة الأخيرة من الاهتمام والميزانية وفي كل شيء ! في ما يلي رصدت «المغرب» البعض من آراء الفنانين وانطباعات المثقفين بشأن وزير الشؤون الثقافية الجديد وليد الزيدي:
سلمى بكار: هل عدنا إلى نظام رئاسي
دون علمنا ؟ !
لم تلتزم السينمائية وعضوة المجلس التأسيسي السابقة سلمى بكار بالصمت إزاء تعيين وليد الزيدي وزيرا جديدا للشؤون الثقافية بل سارعت بتوجيه رسالة مطولة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد جاء فيها: «عندما بدأ اسم السيد وليد زيدي ينتشر كوزير محتمل للثقافة، كنت أشعر بالرضاء ولمَ! أوّلا لأنه شاب، ويمكننا الاعتماد على مهارات رئيس حكومة شاب يحيط به فريق من الشباب ولمَ لا يكون رئيس الدولة شابًا؟ ثانيا إن السيد زيدي ضعيف البصر وقضيت 3 سنوات من حياتي كعنصر أساسي في الدفاع عن حقوق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة. لدرجة أنه بعد عام من صدور الدستور قدموا لي هدية لا تقدر بثمن ، ورقة بيضاء كبيرة مكتوبة بطريقة برايل. إنها ليست نسخة من القرآن بل نسخة من دستور 2014. ثالثا وليد الزيدي يمارس عزف الموسيقى وكتابة الشعر. ولكن بعد التدوينة التي كتبها بتاريخ 26 أوت 2020، بدأت الأسئلة المقلقة تتصادم في رأسي. أولها، لمَ رأى هذا المفكر المزعوم أن يأخذ 5 مرات الله كشاهد ليخبرنا بشيء بسيط للغاية: إنه يفضل الجامعة على الثقافة وهذا حقه. ثم نفى ذلك وارتبك في تبرير ما لا يبرر!
قررت أن أرسل لك هذه الرسالة المفتوحة لتذكيرك بحقوقك وأدين بذلك لدستورنا العزيز. أنت الخبير الكبير في القانون الدستوري ، نحتاج إلى تذكيرك بأن المادة 89 من دستورنا تمنحك امتيازا واحدا فقط ، وهو أن يتم «استشارة» رئيس الحكومة في مناصب وزيري الدفاع والشؤون الخارجية.
إذن ، سيادة الرئيس ، لماذا تدخلت في هذا الملف الذي ليس من صلاحياتك؟ هل عدنا إلى نظام رئاسي دون علم الناس؟
سؤال أخير سيدي الرئيس: هل فكرت للحظة واحدة في مستقبل العلاقة بين رئيس حكومتك وأحد وزرائه ، والذي فرضته عليه؟ وبالنسبة لنا نحن أهل لثقافة، كيف سنتعاون مع وزير لم يكن يريدنا في البداية ولا نريده؟».
ناجية الورغي: لا .. لا أوافق ولن أوافق !
تحت عنوان «رسالة مفتوحة إلى السيد مسؤول قرطاج» ، توّجهت الممثلة المسرحية القديرة ناجية الورغي إلى رئيس الجمهورية حتى قبل المرور لنيل ثقة البرلمان بالرسالة التالية: « إنّ نضال المبدعين والمثقفين منذ عهود خير دليل على تمسكهم بهذه الأرض وصمودهم أمام التعنت والاستبداد والقهر لم يثنيهم على الدفاع على الوطن ومبادىء الجمهورية .
طالبنا منذ سنين ان تكون وزارة الثقافة وزارة سيادة لأن الفكر والفن هما الدرع الوحيد لحماية تونس من الفكر الظلامي والخيانة.
إن وزير الثقافة أو وزيرة الثقافة لا بد أن يكونا سندا للمفكرين والفنانين ومدافعين شرسين على مشروع ثقافي تنويري يحمل في طياته أهداف الثورة، أهداف جبهة ثقافية يقودها مبدعون وطنيون .
ما قمتم به في إعادة تسمية وليد الزيدي اعتبره تدخلا سافرا في أمور أعتقد أنكم تجهلونها .
دستوريا لا حق لكم في تركيز وزير غير الدفاع والخارجية.
ارفعوا يدكم على الثقافة، على مناضلي الفكر..وزيركم المقترح، ارفضه ووزارة الثقافة ليست العجلة الخامسة في حكومتكم... بدون الثقافة لا نجاح لأي مشروع. لا .. لا أوافق ولن أوافق ! لن نسكت...».
المسرحي أنور الشعافي: قَسَمُ وليد الزيدي والورطة الأخلاقية
أدلى المخرج المسرحي والمدير العام السابق للمسرح الوطني أنور شعافي بدلوه في مسألة تسمية وليد الزيدي وزيرا للشؤون الثقافية، فقدّم قراءة شاملة واستشرافية لأداء الوزير الجديد، قائلا في تصريح لـ»المغرب» :»دُفع وليد الزيدي إلى ولوج وزارة صعبة، وزارة تستدعي بصرا وبصيرة لا تتوفرا عند جار ساكن القصبة الفاقد لأي خبرة في إدارة الشأن العام وغير الملم بثنايا الثقافة ورهاناتها و دكتوراه التي نالها السنة الفارطة قد تنفعه في مدارج الجامعة لكنها ليست جوازا إلى مدارج المسارح و قاعات العروض ، كم يجب له من وقت لمعرفة مشاكل قطاع تنتظر حلولا لا تنتظر وأي عصا بيضاء ستقوده لتبيانها و إدراكها ؟ من سيقرأ له المراسلات والمناشير السرية الواردة من رئاسة الحكومة؟ أي إحراج سيشعر به وهو مطالب بروتوكوليا بافتتاح مهرجانات الفنون المشهدية ؟ بل كيف الخروج من ورطة أخلاقية وضع نفسه فيها حين أقسم أنه لن يكون وزيرا؟
يبدو واضحا للجميع أن رئيس الدولة قد تشبث به متجاوزا لصلاحياته الدستورية متجاهلا أنه ليس الملك فؤاد الأول و أن المشيشي لا يشبه النحاس باشا و أن وليد الزيدي بعيد عن عبقرية طه حسين.
المنتج الحبيب بالهادي: لماذا يصر الرئيس البعيد عن الثقافة على تعيين وزير الثقافة؟
بكثير من الأسف والحنق، يرى المنتج المسرحي والسينمائي والناشط الثقافي الحبيب بالهادي أن تسمية وليد الزيدي وزيرا للشؤون الثقافية تعكس استخفافا بمكانة وأدوار وأهمية هذه الوزارة. وأضاف في تصريح لـ «المغرب» «لم نعترض على بقية الأسماء التي كانت مقترحة لتولي المنصب لأنها أولا وأخيرا تملك دراية ومعرفة بخبايا الوزارة وملفاتها العالقة...حتى كانت المفاجأة في تعيين دكتور في اللغة العربية نكن لمسيرة كفاحه في طلب العلم كل الاحترام والتقدير لكننا نعترض على عدم توفر شرط الكفاءة فيه كوزير لوزارة متشعبة ومعقدة ومتداخلة الأطراف والمصالح سيما وأنه اعترف بعظمة لسانه أنه يفضل الجامعة على الوزارة ويتعفف عنها ! ولسائل أن يسأل لماذا أصرّ قيس سعيد على تعيين وزير للثقافة بنفسه وهو البعيد عنها ممارسة ومتابعة ومواكبة. أرى أن الأمر يهدف إلى إثارة «البوز» ليس إلاّ ! يا ليت قيس سعيد يخدم الثقافة ويؤمن بدورها كما فعل بورقيبة!
منذ 2011 والوضع الثقافي يزداد سوءا، فحتّى وإن حمل بعض الوزراء مشروع إصلاح فإن عدم استمرارية الحكومات ينسف كل المجهودات... الثقافة اليوم لا تحتمل الإكراهات: ضعف في الميزانية ، حجم هائل من المديونية، ووزير غير كفء... ولن يغفر التاريخ لكلّ من أذنب في حق الثقافة !».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115