لأنه تربع في الارض وجانب اشجار الشارع الكبير و اضاء قلوب المارة وجذبهم إليه القمر عنوانه «قمرة الألوان قمر رسمته انامل اطفال وشباب ونساء جميعهم أخذوا الريشة وتشاركوا فكرة النجاح وزينوا الشارع بلوحاتهم وألوانهم وأفكارهم.
اكتسحت الالوان الشارع الأكبر شارع الحبيب بورقيبة واصبح رواقا مفتوحا لعرض لوحات تشكيلية اخذت وقتا طويلا قبل الانتهاء من رسم تفاصيلها، الألوان تتماهى في سحرها مع لحظات غروب الشمس والصورة الفسيفسائية التي صنعتها الاعمال المعروضة في الشارع الكبير.
ثلاثون لوحة تشكيلية ولدت من قلب طلاب احبوا الفن التشكيلي وقرروا خوض غمار تجربة الرسم، 30لوحة فنية توزعت في شارع الحبيب بورقيبة بغاية تقريب الفن من المارة وتشريك المواطن في العملية الجمالية الإبداعية «الفن رسالة الحالمين والفن وسيلتنا لنحلم لنقاوم ونكسر كل الحواجز التي فرضها فيروس كورونا منذ اشهر» حسب تعبير الفنانة سمية الزياني المشرفة على نادي «قمرة للفن التشكيلي» بفضاء مدق الحلفاء.
سمية الزياني فنانة تشكيلية مختلفة، تونسية منحازة بشدة للمرأة وللفن منذ بداياتها اختارت طريقا اخر تريد الاقتراب الى المواطنين بكل اختلافاتهم فالمعرض في رواق مغلق قد يكون عدد زواره قليل لكن انجاز معرض للفن التشكيلي في شارع الحبيب بورقيبة وتقديم اعمال ابنائها وبناتها الى المارة وتشريكهم في الفعل الجمالي جرأة ورغبة في التجديد وكسر الطرق النمطية للعرض والرسم «اريد ان تعزيز ثقة التلاميذ بقدراتهم مع نظرة الاعجاب التي يرونها لدى المارة وهم يشاهدون لوحاتهم ستزيدهم في درجة الثقة بالنفس، اعرف قدرتهم على الابداع ولكن النظرة الخارجية مهمة ايضا» حسب تعبير الفنانة سمية الزياني.
اللوحات المعروضة في الشارع الكبير حصيلة عام من التعب، عام من مشاكسة الالوان والخطوط ومحاولة تطبيق الدروس النظرية وتجسيد الافكار المختلفة بالوان زاهية واخرى داكنة يختارها التلاميذ المتدربون حسب رغباتهم «درستهم جميع المواضيع ولكن حرية اختيار الفكرة وطريقة تجسيدها متروكة لهم، اشرف فقط على تفاصيل ولادة اللوحة والتدخل تقنيا من حيث الرسم او درجات الالوان» كما تقول الفنانة المؤمنة بقدرة الانسان على الابداع وتفتق القريحة متى مسك بيده الريشة ووضع الالوان جانبه وامعن النظر في المساحة البيضاء.
وفي «قمرة الوان» اشعت الوان الحياة، اضاءت الوان الحب، اغلب اللوحات كان موضوعها المرأة بكل اختلافاتها، فتلك لوحة للمرأة بالسفساري في ربوع المدينة العتيقة وبياض السفساري يتماهى بشكل مطلق مع لون الجدران وأخرى لعازفات واحدة تمسك الناي وثانية تضرب الدف وكلتاهما موشاة بأبهى الالوان لوحة تشع بالحياة والجمال وتكاد النوتات الموسيقية تصدح في الشارع وتخرج من «كادر» اللوحة، وثالثة لامرأة افريقية سمراء كقطعة الشكلاطة حلوة المذاق اتقنت صاحبتها تدرجات اللون البني فبدا مغريا.
المرأة وما تحمله من تفاصيل، المرأة القوية والضعيفة أحيانا المرأة مانحة الحياة والخلق تحضر بقوة في اعمال تلاميذ نادي قمرة للفن التشكيلي وكان جميعهم يتشاركون في فكرة «المرأة حياة» وكلما رسموها عبروا عن شغفهم بالحياة وإقبالهم عليها.
في «قمرة الألوان حضر موضوع «الكورونا» من خلال رسم «كمامة» التي اصبحت رمزا للمرض وسط تدرّجات اللون الازرق من الداكن الى السماوي الفاتح وعادة الازرق رمز للأمل والانفتاح ورسم الكمامة وسط مساحة لونية زرقاء يقدم رسالة امل بانتهاء الفيروس وقدرة التونسيين على التغلب عليه كما تقول الالوان.
في المعرض اختلفت الافكار اختلاف اصحابها المدينة العتيقة بجزئياتها الجميلة حضرت في بعض اللوحات، تدرّجات اللون الاصفر وزرقة الابواب التي تميز المدين العتيقة ، حضرت الالوان والتعابير السريالية كذلك الحروفيات فالمؤطرة تركت لتلاميذها حرية الابحار في عالم الابداع فكل تلميذ تسكنه طاقة عجيبة وحده يعرف سرها ووحده القادر على الغوص فيها وتحويلها الى ابداع ولوحة جميلة تعرض امام المارة في شارع الحبيب بورقيبة.
قمرة الالوان فرصة اخرى لانفتاح الفنون على الشارع ، تجربة اخرى تبرز الطاقات العديدة في الفنون لشباب يؤمن بقدرة الفن على صقل الذات وتهذيب الفكرة، فرصة اخرى لإخراج الفن من الجدران المغلقة والأروقة المظلمة ليتاح الفن للجميع لكل من يمر من شارع الحبيب بورقيبة من الموظف الى العامل من صاحب الشهادات العليا الى صاحب المستوى الابتدائي من العجوز الى الطفلة كلهم تلامسهم الاعمال واللوحات المشعة بالألوان «نحبوا نعبيو الدنيا الوان ونزعوها جمال وحياة» حسب تعبير عاشقة الالوان والبارعة في توزيعها سمية الزياني.