بلدية قرطاج تحاول منع حفلات مسرح قرطاج الأثري: هل كانت «الكورونا» تعلّة بعد رفض وكالة التراث دفع معاليم جبائية؟

في الطريق إلى المسرح الأثري بقرطاج، كان الجمهور يمنّي نفسه بلحظات من الانعتاق الروحي والصفاء الذهني وانتشاء الجسد و الحواس على إيقاع الموسيقي الصوفية في عرض «الزيارة»

للفنان سامي اللجمي. إلاّ أنّ هذه اللهفة إلى الفن وإلى برهة من الاستماع والترويح عن النفس، كاد يفسدها قرار بلدية قرطاج بمنع تنظيم حفلات على ركح قرطاج! فما هي خلفيات قرار البلدية؟ ولِمَ تحاول بسط نفوذها على المسرح الأثري بقرطاج رغم أن وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية هي التي تسهر على ترميمه وتهيئته وتنظيفه وتعقيمه في زمن الكورونا؟
لولا إصرار وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية على عدم قانونية قرار البلدية ، وتشبّث الجمهور بحقه في الدخول إلى المسرح ومتابعة عرض «الزيارة» بعد مشقة التحوّل إلى ضاحية قرطاج واقتناء التذاكر... لكان المسرح الأثري بقرطاج قد عاش حادثة يُندى لها الجبين ليلة الخميس 27 أوت 2020 ولأطرد ضيوفه وجمهوره منه في سابقة هي الأولى من نوعها!

بلدية قرطاج تطالب الوكالة بمعلوم عن الحفلات
بتاريخ 26 /08 /2020 أصدرت بلدية قرطاج بلاغا يقضي بـ»منع تنظيم جميع العروض الثقافية والفنية والتظاهرات والأنشطة بالمنطقة البلدية إلى حين إشعار آخر، في إطار التوّقي من فيروس كورونا المستجد». واستنجدت البلدية بمركز الشرطة ومركز الأمن الوطني لتنفيذ هذا القرار . وهو ما أحدث بلبلة وضجة في محيط المسرح الأثري بقرطاج وداخله بعد محاولة منع الجمهور من الدخول ومحاولة اجبار فريق عرض «الزيارة» على الانسحاب!

تبدو منطلقات قرار البلدية صحيّة بالأساس تحت يافطة الحفاظ على صحة المواطنين والتوقي من فيروس كورونا بالرغم من أن وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية التزمت بكل دقة وحرفية بتطبيق البرتوكول الصحي الخاص بتنظيم التظاهرات.

ولكن بالعودة إلى بداية الحكاية وأصل القضية نكتشف أنّ محاولة فرض البلدية لسيطرتها على المسرح الأثري بقرطاج ليست وليدة الساعات الأخيرة بالتزامن مع عرض «الزيارة»، بل تعود إلى تاريخ 18 أوت 2020 حيث توّجهت رئيسة بلدية قرطاج بمراسلة إلى المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تحت عنوان» خلاص مستحقات البلدية والحصول على التراخيص اللازمة». جاء فيه :» تبعا للحفلات الخاصة المنظمة والمبرمجة بالمسرح الأثري بقرطاج خلال شهر أوت 2020 ، أتشرف بإعلامكم أنه تطبيقا لأحكام الفصلين 46 و68 من مجلة الجباية المحلية والمتعلقة بالمعلوم على العروض والتراخيص الإدارية، يتعيّن عليكم طلب الحصول على التراخيص لإقامة العروض مسبقا وخلاص المعلوم المستوجب من العروض. وعليه المرغوب تسوية وضعيتكم عاجلا قبل اتخاذ التدابير اللازمة المنصوص عليها بالفصل 51 من مجلة الجباية المحلية، واللجوء إلى إيقاف الحفلات المرخص فيها حسب القانون الجاري به العمل».

ومن الواضح والجلي أن بلدية قرطاج في هذه المراسلة لم تتعرّض ولو بالإشارة إلى الوضع الصحي أو إمكانية إلغاء الحفلات خوفا على صحة المواطنين بل كانت مطالبها مالية بحتة. وقد ردّت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية على مراسلة البلدية حول خلاص مستحقات البلدية والحصول على التراخيص كما يلي : «إن إسناد التراخيص لاستغلال المسرح الأثري بقرطاج من صميم صلاحيات وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بمقتضى قانون إحداثها المؤرخ في 25 فيفري 1988 والمنقح في 3 مارس 1997. كما نعلمكم أن مجلة الجباية المحلية لا تنطبق على وضعية الحال باعتبار أن التراخيص تسلمها الوكالة إلى متعهدي الحفلات والجمعيات وباعتبار أن المشرّع أفرد الوكالة بنص خاص في حين أن مجلة الجباية المحلية نص عام ينطبق على مختلف الوضعيات حسب ما ورد . لذا فإن الوكالة ليست مطالبة بأي معلوم تجاه البلدية».

تنازع اختصاصات والقانون هو الفيصل
لم تفض المراسلات المتبادلة ولا المكالمات الهاتفية بين المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية آمال حشانة ورئيسة بلدية قرطاج حياة بيوض إلى اتفاق ووضع حدّ لإصرار البلدية على طلب التراخيص مسبقا واستخلاص معاليم جبائية من الوكالة التي تعود إليها مسؤولية تنظيم الحفلات بالمسرح الأثري بقرطاج دون الحاجة إلى الرجوع إلى البلدية منذ سنوات وعقود.

وقد قامت رئيسة بلدية قرطاج بإصدار قرار بتاريخ 21 أوت 2020 ينصّ في فصله الأول على أنّه « يمنع تنظيم الحفلات الخاصة بالمسرح الأثري بقرطاج دون الحصول على ترخيص مسبق من البلدية وخلاص معلوم العروض المستوجب لفائدة البلدية». أما الفصل الثاني من هذا القرار فقد جاء فيه : «يترتب عن مخالفة هذا القرار خطية تساوي ضعف المعلوم المستوجب إضافة إلى العقوبات المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل» .

وأمام تعنت البلدية وإصرارها على موقفها، ردّت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية آمال حشانة على قرار بلدية قرطاج الصادر بتاريخ 21 أوت 2020 في محضر تنبيه رسمي عن طريق عدل منفذ بتاريخ 25 أوت 2020.
وأرسلت بلدية قرطاج إلى وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بدورها «محضر رد على تنبيه» عن طريق عدل منفذ مؤكدة فيه أنها هي التي « تمنح التراخيص لتنظيم الحفلات بالمسرح الأثري بقرطاج حسب منطوق الفصل 60 من مجلة الجباية المحلية والقانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية». وقد حمّلت البلدية الوكالة «المسؤولية في صورة تفشي فيروس كورونا وتعريض متساكني قرطاج للخطر».

ويبقى قرار منع التظاهرات بسبب جائحة كورونا من أنظار اللّجنة الجهوية للوقاية من الفيروس التي يرأسها الوالي، فهل أن بلدية قرطاج أو غيرها من البلديات كانت ستحرص على حماية التراث وتثمين معالمه وصيانتها كما تلّح اليوم على استخلاص «الأتاوات» من استثمار المعالم التاريخية ؟ حتما لا! ولا ننسى أن البلديات كثيرا ما تتوّرط بدورها في الاعتداء والتفريط في تراثنا وآثارنا !

وزارة الشؤون الثقافية: حفلات المسرح الأثري بقرطاج ستتواصل...
أصدرت أمس وزارة الشؤون الثقافية بلاغا وضعت فيه حدّا لمحاولة إيقاف العروض على ركح المسرح الأثري بقرطاج، جاء فيه: «بعد التنسيق والتشاور مع السلط الجهوية بولاية تونس ومختلف الأطراف المتدخّلة، تعلم وزارة الشؤون الثقافية مواصلة تنظيم وإقامة العروض الفنية بفضاء المسرح الأثري بقرطاج مع ضرورة التقيّد بالبروتوكول الصحي الخاص بالتظاهرات الثقافية والفنية بالفضاءات المفتوحة من طرف المنظمين بكل دقّة واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة التي يفرضها التوقي من وباء كوفيد 19، وستتولى مصالح الوزارة إشعار المنظمين بكل مستجد حسب تطور الوضع الوبائي في الإبان.»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115