واليوم قد نقول للدكتور وليد الزيدي نظارتاك ليستا الحاجز بينك وبين وزارة الشؤون الثقافية بل تركة ثقيلة من الملفات والأزمات ربما يعجز عن حلّها حتى ابن الميدان!
قبل منتصف الليل بدقائق أعلن رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي عن تركيبة حكومته المختارة بعد أسابيع من المدّ والزجر والأخذ والرّد واللقاءات والمشاورات... وكانت المفاجأة ترشيح وزير كفيف على رأس وزارة الشؤون الثقافية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس.
لا أحد بإمكانه الطعن في قيمة وليد الزيدي العلمية وهو الذي نجح في شهر جانفي من سنة 2019 في الحصول على شهادة الدكتوراه في الآداب. ولا شك أن الجميع يرفع القبعة احتراما وإجلالا لعزيمة الرجل وإرادته القوية في تحدّى فقدان البصر بنور البصيرة ليصل إلى أعلى مراتب الشرف الأكاديمي. ولكن الإجماع حول مدى «أهليته» للجلوس على كرسي وزارة الشؤون الثقافية كان محل خلاف واختلاف !
أبدا لم يتوقع أي كان أن يكون وليد الزيدي الوزير المنتظر! ذلك أنّ اسمه لم يلامس لا من قريب ولا بعيد المقترحات والتوقعات سيما وأن المرشح لا علاقة له مباشرة بوزارة الشؤون الثقافية أو مجال الفنون حتى وإن كان يتمتع بموهبة العزف على آلة العود ونظم الشعر والحديث عن الأدب في الحصص الإذاعية على موجات إذاعة الكاف.
حتى وإن الحكومات تجود على الوزارة دائما بالفتات من ميزانية الدولة، فإن وزارة الشؤون الثقافية تبقى الوزارة الكبيرة والممتدة في الزمان والمكان والتي تضم تحت جناحها عديد القطاعات والمجالات والتفرعات من فكر وفنون وتراث... وهي وزارة الميدان بامتياز والتي لا تحتاج إلى وزير يطيل الجلوس وراء المكتب بل يشرف على جل التظاهرات في كل المناسبات والولايات .
إنها الوزارة التي تستدعي حضور الحواس الخمس ولا مانع من حضور حاسة سادسة أو سابعة لفهم التعبيرات الإبداعية المختلفة ولمقاربة العمل الفني الذي هو في حالة خلق دائم وقلق متواصل ... ولذا فإن نور البصيرة في هذا المجال لن يحجب الحاجة الماسة إلى حاسة البصر. ولن تنفع في هذا السياق مقولة الشاعر بشار بن برد إنّ «الأذن تعشق قبل العين أحيانا» !
بعيدا عن يافطات الشعبوية والتشدق بحقوق ذوي الحاجيات الخصوصية والتهليل للدكتور وليد الزيدي ، هل كان قرار هشام المشيشي المكلّف بتشكيل الحكومة صائبا ومدروسا؟
يشبّه البعض الدكتور وليد الزيدي بـ «طه حسين تونس» ولا يرى مانعا في تقلده منصب وزير الشؤون الثقافية طالما أن عميد الأدب العربي طه حسين قد توّلى منصب وزير التربية والتعليم وكان له الفضل في دمقرطة التعليم وإقرار مجانيته في مصر ... ولكن لكل «مقام مقال» ولكل زمان عباقرته وأعلامه!
ليست وزارة الشؤون الثقافية عجلة خامسة ولا حقيبة ثانوية كما يظن البعض بل تستحق أن تكون وزارة السيادة لأنها تؤسس لمجتمع الثقافة والمعرفة والفن... لذلك فهي تحتاج إلى وزير من أصحاب الكفاءة والخبرة والكياسة لإنقاذ الوزارة من حجم المديونية الهائل وانتشال الفنانين والمبدعين من وضعية الضبابية والعطالة الفنية بسبب الكورونا والنهوض بواقع التراث.... وقائمة الأولويات تطول!
أمام ثقل تركة الإشكالات والأزمات التي تشكو منها وزارة الشؤون الثقافية لن يكون الحل والعقد بيد فنان كبير أو أو عبقري عظيم أو دكتور جاء بما لم يأت به من سبقوه ... بل تحتاج الوزارة إلى رجل ثقافة حكيم أو رجل إدارة متمرس عساها ترسي على برّ الأمان !
إن الاحتكام إلى المنطق، يدحض أن يكون صاحب الدكتوراه في « وظائف التقديم والتأخير في تأويل القول» قادر على تسيير وزارة الشؤون الثقافية لا لأنه «كفيف» بل لأنه يفتقد إلى التجربة في التسيير والخبرة في الإدارة سيّما أنه ليس ابن الميدان ولا ابن الوزارة التي تتحرّك على حقل من الألغام!