في استراتيجية وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية: الترويج للمتاحف وصيانة المواقع ليس عملا مناسباتيا

كما عاد وباء «الكورونا» بالوبال على كل القطاعات دون استثناء، فإن قطاع التراث لم يسلم من خسائر غلق المتاحف وتعليق الزيارات إلى المواقع

الأثرية إلى جانب الانحدار الكبير في أعداد استقبال السياح والزوّار الأجانب... ولئن عرفت البشرية من الأوبئة الفتاكة الكثير وعاشت العديد من الحروب والكوارث الطبيعية...فغالبا ما تبقى المعالم الأثرية والمواقع التاريخية صامدة في وجه الأنواء وحيّة لا تموت !
بعد أن عادت الحياة ولو جزئيا إلى شرايين قطاع الثقافة، سارعت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وبث الحيوية في معالمها ومواقعها...

مسرح قرطاج الأثري
في حلّة جديدة
لئن حال الوضع الصحي الاستثنائي دون تنظيم الدورة 56 من مهرجان قرطاج الدولي لسنة 2020، فإن المسرح الأثري بقرطاج أبى أن يغلق أبوابه وأن يقفل مسرحه بصفة نهائية والدخول في صمت رهيب وهو الذي كان في كل صيف يصدح بالفن والحياة.
من حين إلى آخر، ومن سهرة إلى أخرى ، يفتح المسرح الأثري بقرطاج أبوابه على مصراعيها محتضنا جمهوره وفنانيه ليبّدد بوجودهم وحشة العزلة والصمت ويجود عليهم بلحظات من الإمتاع والمؤانسة. ومن بين هذه السهرات الاحتفال بعيد المرأة ليلة 13 أوت 2020 تحت شعار  «المرأة التونسية ثراء وأصالة وانفتاح» بإمضاء الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة المايسترو محمد الأسود وغناء فنانات تونس للمرأة التونسية.

وسواء أنتظم مهرجان قرطاج الدولي أو لم ينتظم ، لم تتخل وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية عن مهامها ودورها في العناية بمسرح قرطاج والحرص على سلامة الجمهور والحضور بل إن دورها أصبح مضاعفا هذا العام بعد أن وجدت نفسها ملزمة بتطبيق برتوكول صحي دقيق بسبب وباء «كورونا».
عن تفاصيل أشغال الترميم والصيانة وتأمين العروض في ظروف صحية ملائمة، صرّحت كاهية المديرة المسؤولة على تسيير وحدة المنتزه الأثري بقرطاج عواطف الورغي لـ «المغرب» بالقول:» ككل سنة قمنا بحملات نظافة واسعة النطاق داخل المسرح وخارجه وفي نقاط تمركز أعوان الأمن، إلى جانب الاستعانة بشركة مختصة لمداواة المكان وتطهيره من الحشرات والزواحف... كما استأنفنا ترميم أجزاء من المدارج التي هي عبارة عن ألواح من الإسمنت بالتنسيق مع المعهد الوطني للتراث وحضور محافظ الموقع دون المساس طبعا بالجزء الأثري للمسرح. وفي صائفة استثنائية نظرا للوضع الصحي، كان علينا الحرص على تطبيق البرتوكول الصحي الخاص بالمهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية انطلاقا من قيس درجات الحرارة عند الدخول مرورا بتوزيع مواد التعقيم عند كل الممرات وصولا إلى ضمان التباعد بين الجماهير سواء أكانوا جالسين على الكراسي أو فوق المدارج».
وأكدت عواطف الورغي أن وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وبتوصية خاصة من مديرتها آمال حشانة تحرص كل الحرص على السلامة الجسدية للحضور وعلى قضاء وقت ممتع ومريح لضيوف المسرح سيما وأنه يوجد مكتب مراقبة يتثبت من مدى جاهزية المدارج وحجرات الفنانين والتجهيزات ... قبل انطلاق العروض واستقبال الجمهور.

«ليالي متحف سوسة» تقطع مع الأدوار التقليدية للمتاحف
من «ليالي متحف باردو» إلى «ليالي متحف سوسة»، تسعى وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية إلى كسر رتابة المتاحف وحصرها في مفهوم كلاسيكي ضمن الأبعاد المتعارف عليها والأدوار التقليدية. فليس المتحف مجرد عرض لشواهد التاريخ والحضارات وعنوان لزيارة ممتعة بين ردهات الماضي ومدارات سالف العصر والأوان ، بل هو قادر على أن يصبح فضاء ينبض بالحركية والحيوية وينتج الفن والحياة. ومن لا تستهويه زيارات المتاحف من شأن العروض الفنية أن تستدرج الجمهور العريض لزيارة المتحف، ومن هناك قد يعيد تصحيح نظرته إلى المنظومة المتحفية باكتشاف درر ثمينة ومعالم صامدة تروي سيرة قرطاج العظيمة!
في هذا السياق، جدّدت «ليالي متحف سوسة» موعدها التاسع مع جمهورها بالفضاء الخارجي للمتحف الأثري بسوسة من تنظيم وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث وبالتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسوسة.
على إيقاع عزف محمد الغربي في عرض «تأمّلات» ، كان افتتاح الدورة التاسعة من «ليالي متحف سوسة» مساء الحميس 20 أوت الجاري لتتواصل السهرات والأمسيات إلى غاية 25 أوت 2020 ضمن برمجة متنوّعة تراعي اختلاف الأذواق والميول الموسيقية من طرب وجاز وأغاني إحياء الموروث الموسيقي.
ومن الفقرات المهمة والأركان التثقيفية والفكرية في تظاهرة «ليالي متحف سوسة» تخصيص وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية محاضرات عن تاريخ سوسة والساحل عموما. وقد انتظمت محاضرة بعنوان» الساحل ما قبل الفترة الرومانية الفاعلون في ثقافة جهوية « قدمها حبيب بن يونس تناول فيها الأبعاد الثقافية والاجتماعية للجهة انطلاقا من البحوث التي عنيت بالمقابر المتواجدة في الساحل الراجعة للفترة ما قبل الرومانية.

كما من المنتظر أن يتم يوم 22 أوت 2020 تنظيم ندوة علمية بعنوان «الفسيفساء الرّومانية بموقعي لبتيس الصغرى وتابسوس» في تقديم لنجيب بالأزرق.
وتندرج تظاهرة «ليالي متحف سوسة» في إطار برنامج وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية الذي يهدف «إلى إحياء ذاكرة المتحف الأثري بسوسة واستثمار مكوّناته باعتباره مركز إشعاع حضاري وثقافي يمكن من خلاله خلق حركية فنيّة وعلمية واقتصادية تمتد على مدار السنة».
وفي ظل الأزمة المالية الخانقة التي ترزح تحتها متاحفنا منذ سنوات سيما وأنها اشتدت في ظل الوضع الصحي العالمي وتراجع السياحة، يبدو التفكير في موارد مالية إضافية ومصادر دخل جديدة حلاّ لا بد منه لمواصلة تثمين رصيدنا الحضاري والترويج لمعالم تاريخية صمدت رغم «الداء والأعداء» في وجه النسيان !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115