الوزير السابق مهدي مبروك لـ«المغرب»: الادعاء بأن نسخة «درع سلقطة» من النحاس باطل ومغالطة علمية وفنية

منذ سنة 2014 غادر الوزير السابق مهدي مبروك وزارة الشؤون الثقافية ليعود إلى أبحاثه في علم الاجتماع ويرأس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات...

إلا أنّه وجد نفسه مجبرا على دحض اتهامات أو ادعاءات بعد أن ذكر العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة أن نسخة ما سميّ بـ«درع حنبعل» قد اختفت من المتحف الأثري بسلقطة في عهد الترويكا...
من سلقطة إلى باردو ، ومن تونس إلى ايطاليا، وما بين نسخة أصلية وأخرى مقلدة... تشعبّت حكاية القطعة الأثرية المتمثلة في « درع جندي من عساكر حنبعل»  إلى حد الاتهام بالتفريط في الثروة الوطنية ! وفي هذا السياق سعى الدكتور مهدي مبروك إلى توضيح الحقيقة وكشف الالتباس...
تواريخ وأماكن عرض الدرع منذ اكتشافه إلى الآن
في شرح مفصّل وعرض دقيق لمناسبات عرض ما سميّ بـ«درع حنبعل» منذ العثور عليه إلى حدّ اليوم، أفادنا الوزير السابق للثقافة مهدي مبروك بالمعطيات التالية: «منذ تاريخ اكتشافه سنة 1909من قبل عالم الحفريات الأثرية الفرنسي Alfred Merlin بقي الدرع الذي هو من معدن البرنز بمتحف باردو. و قد تم إخراجه خارج البلاد التونسية في عديد المرات للمشاركة في معارض تهتم بتاريخ قرطاج وحضارة المتوسط عموما نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر معرض ألمانيا سنة 2005 ، واليابان سنة 2010 وايطاليا (بارليتا) في مرة أولى سنة 2016 و ايطاليا (روما) مرة أخرى 2019 كما ورد في بيان المعهد الوطني للتراث الصادر بتاريخ 29 جويلية 2020».
وفي عودة إلى فترة جلوسه على كرسي وزير الثقافة من 24 ديسمبر 2011 إلى غاية 29 جانفي 2014 ومدى صحة تأكيد، كشف الوزير السابق مهدي مبروك الحقائق التالية: «لم تغادر القطعة الأثرية المذكورة البلاد التونسية خلال الفترة (2012 - 2014) التي أشرفت فيها على الوزارة. ورغم إصداري قرار تصدير القطعة إلى اسبانيا بتاريخ 25 جوان 2013 استجابة لطلب مسؤولي المعهد الوطني للتراث، فقد عدل هؤلاء في الأخير عن إخراج الدرع نظرا لأسباب أمنية أوّلا، وكلّنا نتذكر الاضطرابات التي شهدتها البلاد آنذاك بجوار متحف باردو وتحديدا أمام المجلس التأسيسي آنذاك بعد اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي وتعليق أعمال المجلس وسلسلة الاعتصامات التي كانت في ساحة باردو... وثانيا لأسباب فنية تتعلق بحالة القطعة حيث ظهر عليها الصدأ والتآكل ... ويمكن التأكد من ذلك بالاطلاع على جذاذة تنقل الدرع. وقد تم الاتفاق مع منظمي المعرض باسبانيا بأن مشاركة المعهد الوطني للتراث ستكون بنسخة من الدرع وقد تمّ فعلا جلبها من متحف سلقطة وهي الذي يعرضها منذ عقود وكان ذلك تحت إشراف مسؤولة المعارض بمتحف باردو آنذاك السيدة لمياء الفارسي ومدير المتاحف بالمعهد الوطني للتراث آنذاك د سمير عون الله علاوة على المدير العام للمعهد الوطني للتراث د عدنان الوحيشي . وبعد عودة نسخة سلقطة من اسبانيا بعد عرضها هناك تم إيداعها مثل بقية القطع المشاركة بمتحف قرطاج (حدث هذا بعد مغادرتي الوزارة...) و قد نشر المعهد الوطني للتراث صورة لها منذ أيام قليلة على صفحته الرسمية بالفايسبوك.
نسخة سلقطة هل هي ثمينة فعلا ومن النحاس؟
بعد التساؤل عن مصير نسخة متحف سلقطة من «درع جندي من عساكر حنبعل» وتداول بعض التخمينات بشأن اختفائها وبكونها من مادة النحاس لا الجبس ... حسم الدكتور مهدي مبروك الأمر بالقول: «إن نسخة سلقطة هي من الجص المذّهب. ولم يسبق مطلقا لورشات المعهد الوطني للتراث (قسم القولبة و الترميم) أن صنعت نسخة من الدرع من مادة أخرى. فالقالب المصنوع من الجيلاطين و الذي تركه الفرنسيون كان قد اشتغل عليه التقني السيد مصطفى قحبيش الذي باشر العمل لأول مرة سنة 1967 ويشهد أن جميع النسخ صنعت من هذه المادة. وقد كانت تباع بأثمان زهيدة في متحف باردو قبل أن يتقادم القولب ذاته. والادعاء إن نسخة سلقطة من نحاس باطل ولا أساس له من الصحة. كما إن الإشارة إلى أنه «نسخة أصلية» مغالطة علمية وفنية لا أساس لها من الصحة.
فالنسخ يتم إنتاجها وإعادة إنتاجها ولا قيمة أثرية أو علمية لها بل إن المتاحف في أماكن كثيرة من العالم لا تعرضها أصلا ولا تعتبرها من مجموعاتها والحال أنها تباع وتشترى في الأسواق والشوارع وقد ظلت نسخ الدرع المنتجة من نفس القالب و بنفس المواد تباع في متحف باردو لعقود .
لقد كان من الأجدر علميا و فنيا الحديث عن نسخة جيّدة Copie parfaite .أما الإصرا ر على وجود نسخة أصلية فريدة لا مثيل لها في متحف سلقطة فهو أمر في غاية الغرابة لا يستقيم أصلا وينم عن جهل فظيع بأبجديات علوم التراث وقواعد تصنيف القطع والمجموعات الأثرية وخصائص أصالتها والحال أن جلّ خبراء المعهد هم من الخبراء المحلّفون والذين تعتمدهم العدالة لتمييز القطع وتصنيفها . و لكن يبدو أن اختيار اللعب على الالتباس بين القطعة الأصلية و النسخة كان إحدى استراتيجيات الإثارة والتعبئة المتعمدة باطلا».
ولئن أكد الوزير مهدي مبروك حرصه على أن يحتوى متحف سلقطة جزءا مما الاكتشافات الثرية بالجهة كما ثمّن اهتمام المجتمع المدني والمواطنين و المثقفين بالتراث الوطني، فإنّه حذّر من التحامل والافتراء على مؤسسات الوزارة ومسؤوليها وخبرائها من أجل طمس الحقيقة لغايات لا علاقة لها بالحفاظ على التراث أو حمايته.

وزارة الشؤون الثقافية:
تونس ستستعيد الدرع في شهر سبتمبر 2020
بعد صدور أكثر من بيان للمعهد الوطني للتراث بتوضيح قضية الدرع «المفقود»، جاء القول الفصل في بيان وزارة الشؤون الثقافية لتوضيح الجدل الحاصل حول درع « قصور الساف » أو ما سمى أيضا بـ«درع جندي من عساكر حنبعل ».
وذكرت الوزارة أن المعهد الوطني للتراث أدرج الدرع في القائمة الحمراء أي أنه لن يكون هنالك أي عرض مستقبلي للدرع خارج أرض الوطن حسب ما تم التنصيص عليه في وثيقة التصدير الوقتية التي أعدها المعهد في 19 مارس 2019 والتي صادق عليها وزير الشؤون الثقافية السابق محمد زين العابدين .وقد تمّ تعويض القطعة الأصلية بنسخة استعارها المعهد من متحف سلقطة وهي نسخة من الجص المذهب صنعت بورشة القولبة من قبل المعهد الوطني للتراث بقصر السعيد وحال رجوع النسخة المذكورة من الخارج، تم حفظها بمتحف قرطاج.
وذكرت الوزارة أن القطعة الأثرية الأصلية عرضت في المعرض الدولي « قرطاج في روما » الذي أقيم في الفترة الممتدة من 26 سبتمبر 2019 إلى 29 مارس 2020 تحت شعار «الأسطورة الخالدة »، بحضور وزير الشؤون الثقافية السابق محمد زين العابدين. وشاركت تونس في هذا المعرض بـ 81 قطعة أثرية من متحف قرطاج و المتحف الوطني بباردو و المتحف الأثري بكركوان بالإضافة إلى متحف نابل و المتحف الأثري بالجم وسوسة.وتمّ شحن كل القطع عبر النقل البحري في حين حظي الدرع بالنقل الجوي حصريا لقيمته العلمية والأثرية بمرافقة مسؤوليْن اثنين من المعهد الوطني للتراث، غير أن جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت إيطاليا حالت دون تواصل المعرض، هذا وسيتم إتمام إجراءات عودة الدرع وباقي القطع الأثرية الأخرى موفى هذا الشهر أو بداية شهر سبتمبر المقبل.
وأفادت الوزارة أن المعهد الوطني للتراث يعمل على إرسال فريق من الباحثين والمحافظين والتقنيين لتأمين عودة كل القطع إلى أرض الوطن بعد التحقق من سلامتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115