فإن مشروع بعث تلفزة ثقافية يبدو حلما مشروعا ومطلبا حتميا من أجل ترجمة الحيوية الفكرية والأدبية وتوثيق الحركية الفنية والجمالية وصناعة وعي شعب بأكمله ...
منذ سنوات لم يتجاوز الحديث عن بعث قناة ثقافية نطاق إعلان النوايا وإطلاق الوعود... ليتبّخر الحلم في كل مرة كالسراب !
وحدة تصرف حسب الأهداف لبعث قناة ثقافية
لم تقف ميزانية صفر فاصل عائقا في وجه الثقافة، فحلّقت بأجنحة من معرفة ونور في سماوات العالمية، كما لم تحد الاعتمادات الهزيلة من سفر الفنون في كل الدروب لنشر عقيدة الجمال والحياة رغم الداء والأعداء. هذه الحركية الثقافية والحيوية الفنية قد ينقصها قناة ناطقة باسمها وموثقة لتاريخها ومنجزها، إلا أن بعث قناة ثقافية ظل حلما يرواح مكانه منذ سنوات !
لقد انطلقت المشاورات الفعلية لإطلاق قناة ثقافية منذ عهد وزير الثقافة السابق مهدي مبروك بالتعاون مع وزارة السياحة للترويج للمخزون الحضاري والثقافي في بلادنا والتسويق لصورة تونس التاريخ والثقافة والفنون ...وفي فترة الوزير السابق محمد زين العابدين تم تجديد الوعد بإعادة فتح ملف بعث قناة ثقافية، وكان الاجتماع في هذا الصدد الرئيس المدير العام السابق للتلفزة الوطنية إلياس الغربي ومديرة القناة الوطنية الثانية السابقة شادية خذير ومدير القناة الوطنية الأولى السابق إيهاب الشاوش بخصوص تنفيذ مشروع إطلاق قناة ثقافية بهدف استرجاع التفكير النقدي التونسي.
وكان من المنتظر أن تجد القناة الثقافية ابتداء من سبتمبر 2017 حظها في الشبكة التلفزية من خلال رسم خريطة الطريق للقناة الوطنية الثانية في اتجاه التخصص الثقافي.
واليوم في سنة 2020 لم يتم بعث قناة ثقافية رغم العهود والوعود إلا أن الوزيرة الحالية شيراز العتيري قد أعادت فتح الملف بعد أن مثّل إطلاق قناة ثقافية أحد الركائز ذات الأولوية في إستراتيجية تسييرها لوزارة الشؤون الثقافية سيما بعد أن تم التعاون مع مؤسسة التلفزة التونسية ضمن مشروع «شوفلي فن» زمن الحجر الصحي بسبب الكورونا .
مؤخرا، التقت الوزيرة شيراز العتيري بالرئيس المدير عام لمؤسسة التلفزة التونسية محمد الأسعد الداهش والمكلف بالإعلام والاتصال برئاسة الحكومة عدنان بن يوسف للتداول حول الخطوات الأولى لوضع مشروع القناة الثقافية بالشراكة مع مؤسسة التلفزة الوطنية وتدارس الخطوط العامة لهذا المشروع ومختلف التحديات المطروحة أمام تحقيقه...
وكان الاتفاق خلال هذا الاجتماع على تكوين وحدة تصرف حسب الأهداف لمتابعة مشروع بعث قناة ثقافية والإشراف على الدراسات اللازمة لتسهيل عمليتي التنفيذ والتقييم.
هل ذهب قرار بعث قناة إخبارية في خبر كان !
لازال جمهور التلفزة التونسية ينتظر «معجزة» تُصلح من حال شاشته الأم وتخلصها من كل الأزمات المالية والهيكلية والداخلية... وفي كل مرة تعلن فيها مؤسسة التلفزة عن تغيير أو جديد إلا ويكون مجرد حديث يذهب أدراج الريح ولا يتحقق !
كان من المنتظر أن تشهد سنة 2020 حدث بعث قناة جديدة تحت عنوان التلفزة الإخبارية. كما كان من المتوقع الإعلان عنها رسميا في نهاية شهر ماي احتفالا بتاريخ نشأة التلفزة التونسية في 31 ماي 1966. ولكن يبدو أن القناة الإخبارية أضاعت طريقها نحو البث ولم تجد حظها في التحقيق !
في شهر أوت من سنة 2018، تسلّم الرئيس المدير العام محمد الأسعد الداهش مقاليد مؤسسة التلفزة الوطنية والذي كان قد قدّم في مشروع ترشحه ملامح إستراتجية تسيير مؤسسة التلفزة الوطنية.
ومن بين مقترحات المدير العام الحالي للتلفزة التونسية إحداث قناة برلمانية وقناة أخرى رياضية وتغيير صبغة القناة الثانية لتتحول إلى قناة إخبارية ...
وإلى حدّ اليوم لا قناة إخبارية بُعثت ولا قناة رياضية أُطلقت ولا قناة برلمانية أُفتتحت.... فهل سيكون مصير القناة الثقافية مرة أخرى معلقا بين الأمنية المشروعة وعدم التحقق واقعا؟ وهل سيتم التخلي عن هذا المشروع إن رحلت الوزيرة شيراز العتيري بتغيير حكومة إلياس الفخفاخ في قادم الأيام ؟