وتشير المراجع إلى أن السيرك بمفهومه الحديث الذي يقوم على عروض الألعاب البهلوانية و ترويض الحيوانات، لم ينشأ إلا عام 1770 على يد فيليب آستلي صاحب أوّل سيرك حديث في لندن. وعرف فن السيرك تحولات عبر الزمان والمكان حتى فرض وجوده في تونس. إلا أن هذا الحضور بقي معلقا بين معوّقات التهميش ومحاولات الاعتراف به كفن مستقل بذاته...
في أوائل شهر جوان 2020، طرحت وزيرة الشؤون الثقافية مشروع قانون الفنان والمهن الفنية للنقاش ضمن ورشات تهتم بكل فن على حده من مسرح وسينما و رقص ورسم... إلا أن غياب فن السيرك عن هذه الورشات وعن مشروع القانون أثار الاعتراض والاحتجاج...
خسارة بالتخلي عن مدرسة فنون السيرك !
لازالت الذاكرة تحتفظ بتفاصيل الهرولة نحو خيمة السيرك القادمة من البلدان الأجنبية لمشاهدة العروض المبهرة والمدهشة، وكذلك بلحظات التسمر أمام التلفاز لمتابعة عروض السيرك الراقصة فوق النيران والمروضة للحيوانات المسالمة والمفترسة... وقد عرفت تونس سيركا خاصا بها قطع مع التكرار والنمطية ليقدم فنا معاصرا ومبتكرا دون التخلي عن مقومات عالم السيرك الأساســية كألعـــاب الخفة والاستعراضات البهلوانية وعروض الحلقات النارية ...
ويمكن القول أن الاعتراف رسميا بفن السيرك وإيلائه المكانة التي يستحق كان ببعث المدرسة التونسية لفنون السيرك سنة 2005 على يد مؤسسها الفنان المسرحي محمد إدريس صلب مؤسسة المسرح الوطني.
وكان مدير المسرح الوطني ومدرسة السيرك محمد إدريس، قد قال بمناسبة افتتاح هذه المدرسة: «إنّ فن السيرك هو فن الألفية الثالثة والهدف من إنشاء هذه المدرسة هو تكوين جيل جديد من الفنانين القادرين على اقتحام جميع أنواع فنون الفرجة كالمسرح والسينما والفنون الاستعراضية بجميع فروعها..».
وقد نظمت المدرسة التونسية للسيرك بالتعاون مع نظيرتها مدرسة روني السيرك الفني بباريس عدة دورات تكوينية لتخريج دفعة محترفة من فناني السيرك في تونس، إلا أنه تم الاستغناء عن هذه المدرسة بمغادرة محمد إدريس مؤسسة وتسلم المخرج المسرحي فاضل الجعايبي لمقاليد الإدارة العامة لمؤسسة المسرح الوطني.
جمعية «سيرك بابا روني» تحتج على الوضعية الضبابية
كان فن السيرك في الأدب والسينما ملهما للكتابة ومحورا للأحداث وكاميرا التصوير، وعلى سبيل الذكر لا الحصر تناولت السينما المصرية في فلم «السيرك «من بطولة نبيلة عبيد وحسن يوسف منذ أواخر الستينيات إشكالات هذا الفن من خلال حكاية إحدى فرق السيرك الجوالة في القرى المصرية التي واجهت عزوف المشاهدين مما فرض عليها التغيير والتطوير ومجاراة العصر.
بعد أن أغلقت مدرسة السيرك في تونس أبوابها، لم يكن أمام محترفي هذا الفن وعشاقه سوى الاستماتة في النضال من أجل البقاء لا الاندثار .
وفي سنة 2011 تم بعث جمعية «سيرك بابا روني» في منطقة المحمدية من ولاية بن عروس للمحافظة على وجود هذا الفن وتكوين هواته وتطوير أدواته ومقاربته الجمالية...
وفي الوقت الذي انتظر فيه فنانو السيرك اعترافا قانونيا من أجل وضعية اجتماعية واقتصادية كريمة، تم تغييب هذا القطاع من مشروع قانون الفنان والمهن الفنية. فكان الاحتجاج من طرف أهل المهنة على إقصاء هذا الفن من ورشات مناقشة مشروع القانون المذكور. وفي هذا السياق صرّح مدير جمعية «سيرك بابا روني» هيثم القصداوي لـ «المغرب»: في التظاهرات الكبرى والمهرجانات الدولية يتم الاستنجاد بعروض السيرك لتنشيط الشوارع وبث الحركة والحياة في المدن ولكننا لا نريد أن يكون فننا مجرد ملء للفراغ وتعبئة الوقت بدل الضائع ! إن السيرك ينبغي أن يكون فنّا مستقلا بذاته للتخلص من وضعية الضبابية وعدم الوضوح إلى درجة أنه يصعب علينا العثور على مرجع نظر فعندما نطرق أبواب إدارة الموسيقى والرقص تقوم بإرسالنا إلى إدارة الفنون الركحية والدرامية والتي حين نقصدها تقوم بدورها إلى إرجاعنا إلى إدارة الموسيقى والرقص ! وكنا نظن أن قانون الفنان والمهن الفنية سينصفنا إلا أنه ذكر كل الفنون ما عدا فن السيرك !؟
رغم الإشكالات والمعوقات ورغم عدم التمتع بدعم مباشر من وزارة الشؤون الثقافية، فقد أسست جمعية « بابا روني لفنون السيرك « مهرجانا دوليا للسيرك الفني المعاصر سنة 2018، وتوقفت دورته الثالثة لسنة 2020 بسبب تداعيات أزمة كورونا ومتطلبات الوضع الصحي العالمي. كما قامت الجمعية بإنتاج عرض « امازونيا » في فنون السيرك وكذلك عرض « علاء الدين » في نهاية سنة 2019. كما تقوم الجمعية بتكوين هواة فن السيرك القادمين من كل الولايات.
وحتى لا تتعقد وضعية الفنانين الممارسين لفن السيرك،توجهت جمعية « بابا روني لفنون السيرك» بمراسلة إلى وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري، من أجل إدراج السيرك في مشروع القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية .
وقد كشف مدير جمعية جمعية «بابا روني لفنون السيرك» هيثم القصداوي أن كافة اللقاءات مع وزراء الثقافة السابقين لم تغير شيئا من الوضع المتأزم وقد يكون التحرك القادم عبر الاحتجاج أمام وزارة الشؤون الثقافية في طريقة فنية من أجل بقاء فن السيرك.
تهميش فن السيرك يتواصل: يستنجدون به في التظاهرات الكبرى و يقصونه من قانون الفنان !
- بقلم ليلى بورقعة
- 11:13 10/07/2020
- 1327 عدد المشاهدات
منذ العهود الغابرة، عرف الرومان «السيرك» بما هو الحلقة أو الدائرة التي يجتمع الجمهور حولها لمشاهدة السباقات والمبارزات...