إلاّ أن سنة 2020 تمرّ ثقيلة ومرهقة لكاهل وزارة الشؤون الثقافية بسبب أزمة «الكورونا» الطارئة والخانقة والتي كتمت أنفاس الأنشطة الثقافية من جهة، وبسبب حجم الديون الهائلة المتخلدة بالذمة من جهة أخرى. وهو ما دفع وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري إلى التوّجه إلى رئاسة الحكومة لطلب اعتمادات إضافية لسداد الديون التي تجاوزت 40 مليون دينار.
في الوقت الذي ينتظر فيه كثير من الفنانين والمبدعين سداد مستحقاتهم وخلاص أجورهم المتخلدة بذمة وزارة الشؤون الثقافية بما في ذلك العروض المدعومة وأيام الجهات بمدينة الثقافة والجوائز المالية للمهرجانات الوطنية وغيرها من التظاهرات والمناسبات... جاء رد وزارة المالية بالرفض لطلب ضخ اعتمادات إضافية صادما ومحبطا ومخيبا للآمال...
وزارة المالية طلبت من الوزير السابق عدم تجاوز الاعتمادات
بعد ثلاثة أشهر من تسلم مقاليد وزارة الشؤون الثقافية، عبّرت الوزيرة شيراز العتيري عن صدمتها أمام هول حجم الديون و فائض الاعتمادات غير المسددة لسنة 2019. كما كشفت أن المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية تتخبّط في نسبة مديونية تبلغ 200 %. كما يشكو مشروع المدن والحضارات من نسبة عجز تبلغ 4900 ألف دينار، في حين يعاني صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني من عجز يقدر بـ 4800 ألف دينار.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
أمام إلحاح أهل الثقافة و الإبداع على تسديد مستحقاتهم، وأمام متطلبات عودة الحياة الثقافية بعد أزمة الكورونا... لم يكن أمام وزارة الشؤون الثقافية سوى التقدم بطلب اعتمادات إضافية لدى رئاسة الحكومة.
وبتاريخ 22 ماي 2020 توجهت وزارة الشؤون الثقافية بمكتوب إلى رئيس الحكومة لطلب الترخيص في خلاص ديون متخلدة بعنوان 2019 بذمة وزارة الشؤون الثقافية تجاه بعض المتدخلين في الشأن الثقافي حيث تبين أن جل هذه التعهدات المالية تمت دون توفر الاعتمادات اللازمة لتغطيتها.
فجاء جواب وزارة المالية بتاريخ 26 جوان 2020 سلبيا في تذكير بأنه سبق وأن طلبت بمقتضي مكتوبين سابقين من وزارة الشؤون الثقافية بتاريخ 21 جوان 2019 و23 تاريخ سبتمبر 2019 بالبقاء في حدود الاعتمادات المرسمة تفاديا لحصول متخلدات وحفاظا على التوازنات العامة لميزانية الدولة باعتبار الضغوطات المسلطة عليها.
مساءلة بمقتضى مجلة المحاسبة العمومية؟!
برّرت وزارة المالية رفضها لطلب وزارة الشؤون المالية بما يلي: «يتعذر مدكم بترخيص استثنائي للغرض طبقا لأحكام الفصلين 84 و85 من مجلة المحاسبة العمومية.
وبالعودة إلى مجلة المحاسبات العمومية نجد أن نص الفصل 84 ورد فيه: «لا يجوز عقد أية نفقة أو صرفها ما لم يقع تقريرها بميزانية المصاريف». في حين ينص الفصل 85 من المجلة ذاتها على :» إن الوزراء وكتاب الدولة بوصفهم رؤساء إدارات يتصرفون وحدهم وعلى مسؤوليتهم في الاعتمادات المرصودة بالميزانية.ولا يجوز لهم تجاوز تلك الاعتمادات ولا عقد نفقات جديدة بدون أن يخصص لها ما يقابلها من اعتمادات حسب الشروط المقررة بالقانون الأساسي للميزانية وإلا سيسألون عن ذلك».
وهذه الفصول تعني صراحة أن تجاوز الاعتمادات من خلال صرف نفقات جديدة يعرّض الوزراء والمسؤولين إلى المساءلة، فهل معنى ذلك أن الوزير السابق محمد زين العابدين قد يكون عرضة لهذه المساءلة بسبب ديون تقدر بـ44 مليون دينار؟
دون تكذيب أو تفنيد لحجم المديونية الذي كشفت عنه وزيرة الشؤون الثقافية الحالية شيراز العتيري، سبق للوزير محمد زين العابدين أن دافع عن نفسه في تدوينة على صفحته الرسمية على شبكة التواصل الإجتماعي «فايس بوك» حيث كتب في الأيام الأخيرة ما يلي :» أين الميزانية الإضافية التي تركناها وقيمتها 51 مليارا زيادة في 2020 مقارنة بسنة 2019؟ لمَ لم يتم ذكر الفواضل التي تركناها وهي في حدود 41 مليارا لفائدة ميزانية 2020؟ تتحدثين عن الديون، فماذا عن الديون التي تركتها فترة إدارتك للمركز الوطني للسينما وأيام قرطاج السينمائية سنتي 2018 و2019؟»
ما بين وزير مغادر بانتهاء عهدة الحكومة التي عينّته، ووزيرة جديدة تسلمت الوزارة في ظروف استثنائية زمن الكورونا وفي فترة تراكم الديون... تتخلى اليوم وزارة المالية عن دعم الثقافة رغم أنها الحلقة الأضعف في توزيع الميزانية العامة للدولة !
فكيف ستنقذ وزارة الشؤون الثقافية نفسها من هذا المأزق الخانق أمام ضغط الفنانين للحصول على مستحقاتهم المالية من جهة وضرورة تمويل المؤسسات والقطاعات والتظاهرات من جهة أخرى؟