أكثر من 300 مهرجان صيفي كانت تعدّ العدّة لانطلاق برمجتها في أفضل الظروف في مثل هذه الفترة، إلا أنّ سنة 2020 أجبرت المهرجانات على تضييق خارطتها ومراجعة حساباتها واتخاذ القرار الحاسم بين الإلغاء والاقتصار على دورة تونسية صرفة.
إلى زمن قريب كان القائمون على المهرجانات الصيفية في تونس يعجزون عن الإجابة عن سؤال ما مصير هذه التظاهرات الموسمية التي اعتادها الجمهور سنويا لعقود وعقود؟ والأكيد أن سبب هذه الضبابية والتردد معروف وهو النفق المجهول الذي حفرته «الكورونا» لتغرق فيه كل الأنشطة الثقافية دون استثناء وكذلك كل القطاعات الاقتصادية على حد سواء.
15 جويلية عودة المهرجانات مع حضور مضيق
منذ تفشي أزمة فيروس كورونا في تونس وفرض الحجر الصحي العام، أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن اعتزامها تنظيم مهرجان قرطاج الدولي في نسخة تونسية صرفة وكذلك اقتصار مهرجان الحمامات على العروض التونسية فقط في إطار التكيف مع المستجدات العالمية جراء انتشار وباء كورونا وتبعا لانعكاساته على سير الإعداد المحكم لتنظيم العروض الأجنبية.
وعلى إثر اجتماعات بين وزارة الشؤون الثقافية وأعضاء من اللجنة العلمية لمتابعة انتشار فيروس كورونا ، اتخذت الوزارة قرار تأجيل كل من مهرجان قرطاج الدولي والمهرجان الدولي بالحمامات إلى سنة 2021.
في المقابل، تم السماح لبقية التظاهرات الثقافية الكبرى والمهرجانات في الفضاءات المفتوحة فقط بالعودة إلى سالف نشاطها بداية من 15 جويلية 2020 على أن لا يتجاوز عدد الحضور 1000 شخص مع الحرص على إلزامية تطبيق كلّ الإجراءات الوقائية على غرار الالتزام بوضع الكمامات والتباعد الجسدي وتقسيم الجمهور ضمن مجموعات منفصلة لا يحتوي كل منها على أكثر من 30 شخصا تفصل بين المجموعة والأخرى مسافة مترين على الأقل.
وأشارت الوزارة إلى أنه سيتم التنسيق مع اللجنة العلمية لمتابعة انتشار فيروس كورونا المستجد لتقييم كافة المراحل المتخذة لعودة النشاط الثقافي للتمكن من توسيع دائرة الحضور أو تقليصها حسب مستجدات الوضع الوبائي على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وإن لم تتضح بعد خارطة المهرجانات الصيفية 2020 وأسماء المهرجانات التي ستكابد في تنظيم دورات استثنائية والأخرى التي ستحتجب إكراها لا اختيارا، وسيجد مديرو هذه المهرجانات أنفسهم مجبرين على تحمّل مسؤولية تطبيق البروتوكول الصحي إلى جانب محاسبتهم على مدى نجاح برمجتهم وخياراتهم الفنية و حسن تسييرهم المالي والإداري...
لا حضور لفنانين أجانب
جاء انتشار وباء كورونا ليصب الزيت على النار، ويجبر المهرجانات أمام احتمال إلغائها أو أمام حضور باهت وضعيف. واحتجاب مهرجاني قرطاج والحمامات سابقة من نوعها منذ التأسيس إلى اليوم وهما سمتا المهرجانات في تونس. وليس غياب النجوم الأجانب بشكل كلي عن المهرجانات الصيفية بالأمر المعتاد أو المـألوف، حيث كانت حفلاتهم تستقطب الجمهور العريض وتنعش شباك التذاكر.
إلى جانب الوضع الصحي الذي أجبر مطارات العالم على غلق أبوابها وتقييد حركة السفر عبر بواباتها، فإن استدعاء الفنانين الأجانب كان عسيرا في صيف 2020 بسبب تجميد أسهم المهرجانات إثر أزمة مالية خانقة خلفتها الكورونا .
وتعجز وزارة الشؤون الثقافية اليوم وكذلك الشركات العمومية والخاصة التي تعوّدت على تقديم الـ«سبونسيرنغ» للمهرجانات الصيفية على وضع ميزانية محترمة لهذه التظاهرات، كما قد يجد الكثير من الجماهير أنفسهم عاجزين عن توفير ثمن تذاكر مواكبة العروض الفنية بعد أن مست الكورونا من أجورهم ومن مقدرتهم الشرائية ومن مواطن شغلهم.
امتحان أمام الفنان التونسي
أمام تأجيل المهرجانات الكبرى على غرار قرطاج والحمامات إلى السنة المقبلة، اضطرت بقية المهرجانات إلى الاستنجاد بالعروض التونسية التي ستكون أمام فرصة ذهبية لاستعادة جمهورها الذي سرقه منها الفنان الأجنبي وإثبات جدارتها في ملء المسارح وإرضاء الحضور. إذا هو امتحان أمام الفنان التونسي الذي سيجد الملعب فارغا أمامه ليسدد الكرة في المرمى الصحيح. وبعده لن يكون مسموحا للفنانين التونسيين التذمر والشكوى بحجة إقصائهم من مهرجانات بلدهم وفتح المسارح للفنانين الأجانب.
وقد تكون الفرصة سانحة أمام مهرجان قرطاج الدولي باعتباره الأعرق والأكبر أن يعيد حساباته ويراجع حصيلته ويستشرف مستقبله سيما وقد تفوّق عليه مهرجان الحمامات الدولي في السنوات الأخيرة في نوعية الخيارات الفنية وجودة العروض. هذه السنة لن يكون مسرح قرطاج الأثري فاتحا أحضانه للجمهور والحفلات ولكنه قد يحتاج إلى عملية تهيئة وترميم وتجميل على مستوى الشكل، وإلى تشخيص دقيق للأمراض والعلل من أجل وصفة علاج نافعة وشافية على صعيد المضمون. كما يحتاج مهرجان قرطاج الدولي إلى التخلص من عبء الديون الذي يضيق خناقة خصوصا في الدورات الأخيرة.
وكل الأمل أن تحترم مهرجانات صيف 2020 حقوق التأليف وتقوم بخلاص ما عليها من مستحقات لفائدة الفنانين التونسيين الذين زادت الكورونا وضعهم وبالا !
صحيح أن صائفة 2020 ستحرم الجمهور من متعة الطرب والسهر تحت القمر وستفرض على الحضور إجراءات وقائية صارمة لكنها يمكن أن تكون أرضية للتأمل والاستشراف والإقلاع بالمهرجانات الصيفية لاحقا في سماء أرحب من الفن والإبداع.