وإذا بصدفة الأقدار تعاكسني اذ وضعتني وجها لوجه مع أصدقاء «مِحْنَة الأدب» فكان اللقاء مع الكاتب العراقي الجميل شخْصا ونصّا والذي أتعرف عليه أوّل مرة : حسن البحّار. أهداني كتابه « بحر أزرق .. قمر أبيض» حين اختليتُ بالكِتاب «أكلته» تقريبا دُفْعة واحدة مع الساعة الثالثة والربع يوم 3/ 3 / 2016 , قررت أن أجْتَرِحَ مَعه هذا اللّقاء الخاص بـ «جريدة المغرب» فقبل ببَهْجَة مَشكورا
(1)
• في اُلْبَدْء - أيها السيّد الكاتب البحّار- ليكن اللّقاء من البداية الحِبرية قبل اُلْشّروع في التيه والترحَال ؟
_ أول التفاتات الرجولة الأولى شدّني الانتباه الى وجود أبي الذي كان يقرأ كثيرا مما دفعَه إلى التميّز بين سائر أقرانه في مدينتي الصّغيرة التي تغْفو على نهر «الغرّاف» بسلام,شمال أعلى مُحافظة «الناصرية» في جنوب العراق. العِراق آه العراق الذي لا أدري إلى الآن أأنا العراق أم العراق أنا؟ شيئا فشيئا وجدْت الأيام تُطيل قَامَتي وتُقَصّر الطّرق... ولكن ثبّتَتْ هَاجِسَ الدّهْشَة الاولى والإنْشِداهِ في أنّني قدْ أكون أبي الذي يقرأُ ثم يقرأ ولكن وبعد مشوار طويل رحَل أبي في كتاب الكَون وبدأت أكتب..
(2)
• أيّ الكُتب كان الوالد «علي» يقرأ في ما تَذْكُر؟
علقت في الذاكرة, ذاكرتي البصرية والحِبرية والشميّة تحديدا من مكتبة أبي الخاصة في البيت تلك النقوش الذهبيّة الفاخرة والساحرة لعناوين الكتب الاسلامية ولا أنسى رائحة.. كتب التاريخ وأسفار الرحلات وغرابة الأساطير ومتعة الخُرافات وعوالم السّفر في الروايات وأكثر ما كان يشدّني في الروايات دوستوفسكي بترجمة سامي الدروبي الشهيرة. كنت أقف أمام هذه المجلدات الـ 18 أحلم بمِثلها على رُفوف المَكْتبات تَحْمل عنوانا مُوشّى وموشّح باسم حسن البحّار. كم كانت جِيادُ الخَيال المُجَنّحَة تعْدو ثُم تطير بي . «الحلم مُطلق / مُباح في زَمَن صَعْبٍ ومُتَصَاعِبٍ يا بُني» هذا ما كان يُردده على مَسامِعي أبي المسافر ...
(3)
• ما هي أوّل الكتب التي «أكلتها» ؟
إن لم تخنّي الذاكرة كان أوّل كتاب للمصري صديق المراهقين احسان عبد القدوس وإن لم تفعلها بي الذاكرة لقد كانت أولى الروايات رواية «فتحية في لندن» أو «النظارة السوداء» ثم بدأت تتصاعد الرغبة في القراءة بين الأصدقاء على نيل الأولوية في قراءة كتاب تراثي ديني صوفي رحلوي أو رواية أو قصة أو حتى فلسفة هكذا هطلت كلمات هذه الكتب أمطارا على عطش شبابي الباحث كدحا عن التميّز فبرقت إشراقات الكتابة الأولى ومن حيث لا أشعر كنت أشارك كلّ ما أقرأ في نظرة متمعّنة بين القبول والرفض . لذلك أجد زرقة الحبر تسيل على بياض قمر الورق.
(4)
• هل أفهم من كلامك أنّك لم تكُن تسلّم «بسلطة المكتوب» فهل هذا يعني أن بذور التمرّد على سلطة السائد كانت مُبكرة عنْدك إذ التّمرد على سلطة الكِتاب والكاتب يَعني الرفض الفِعلى للأب الرّمزي (المَحبوب والمَرغوب في تجاوزه في آن )؟
لك أن تقول ما شئت ولكني أزعم أني كنت أصدر عن قناعة ضد القناعات «الزائفة» إنّها «القناعة» التي من شأنها أن تحصّن الذات . ذاتي الفردية بأن لا تستسلم فتسلّم بكل ما يقال لها فتصدّقه دون مساءلة ولا مراجعة ولا اندهاش .
(5)
• أنت كاتب / روائي / شاعر/ قاص والأكيد أنك
« كيميائي لغوي » مُعني بالأسْماء والألقاب . لقبك البحّار فمن أين اجترحْت سلالتك هذا اللقب؟
إن لقبي ( البحّار ) مِهنتي. لا أمْتَهِنُ لقب عائلتي .
(6)
• مهنتك أعْني عملك الشخصي غطّى كما تُريد له أن يغطي حضور العائلة ؟ هل ثمة مشكلة مع سلطة العائلة ؟
• لا .. لا ليس هناك مُشكلة مع العاَئلة بقدر رَغْبتي الشَخصيّة المُلحّة في الابتِعاد عن البَساطة الظاهرة في ما أرى فيهم . أنا الباحث عن الحقيقة في كل ما أرى وأسمع لأصير قطب الإخْتلاف الخلاّق والخَلوقِ مع الآخر وهذا ما يدفعني للتحرّر الواعي من لقب العائلة بطريقة جمالية غير نَاكِرَةٍ للجميل لاَ ولاَ هي جارحَة كما يحدث في الغَالبِ الأعم . إنّي لا أحب الاغترار بالإنتساب الفَخْم للقبيلة. أريد أن أتدرّب على استقلال الذات لأكون حرا جديرا بالإنتساب الحق للحرائر والأحْرار في وطن وفي كون أريد له أن يكون حرا .
(7)
• ثم هل أن «لاوعيك اللغوي» بلقب مهنتك هو ما قادك إلى البَحر أيها السيد الروائي البحّار ؟
وهو كذلك . فبعد تخرجي من «أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية « في العراق/ البصرة» شعرت أن ركوب البحر يصْنع من الفِراق آفَة وأُلفة ومن التجلّد رُجولة فاخْترتُ لي عنْ وعْي وإرادة لقب «البحّار» بقناعَة مني تمَاما .
(8)
• ما الذي يبرّر الحاجة الى السرد عندك تحديدا ؟
السرد ليس مُجرّد نصّ فحسْب أي ليس سِلسلة تركيبية ودلالية فقط بل هو أيضا انْجاز تواصلي بين البشر وهو الانضمام والاجتماع والالتئام بين مَفصلين ( الذات/ الموضوع) على أساس سِحريّة ومِصداقية القول كمَخرج لأحداث تسَعُ المَكانَ وتمتدّ مع الزمان لتأتي النّهاية مُنتَظرة وفي الغالب غير مُنتظرة ...ويُمكن أن تكون هذه المُلاحظة عامة, أما في ما يخصني شخْصيا وبشكل حميم فإن حاجتي إلى «السرد» إلى «الحَكي» إنّما العبور من مستوى إلى آخر في أثرٍ تتابُعيِ يحطّم الحدود المنْطقية تارة ويبْنيها أخرى ليُحدث أشْكالا من عوالم تُفيد القارئ في التشكيلات والصوّر التي تخص العلاقة بين الإنسان والحكاية .
(9)
• فما حكاية حكايتك في كتاب « رحلة بَحر أزرق
قمر أبيض»؟
هذه الرحلة من حيث المَبدأ رسَمت في ذهني مفهوما اجتماعيا يوفّر وسيلة الهَرب من ضُغوط وارتهانات الواقع الجَارح والإنْضِباطي للتَوغّل في الخيال بطريقة الخلق والإبداع والتَخيّل والتّخيــيل والإعتراف بالمحاور وصبغ اللغة بنكْهَة الذات . الذات المُغامرة الجوابة للآفاق لصِناعة الحدث وحِيَاكة الحِكايَة . هذه الرّحلة يمكن أن تكون واقعية وقد يعْتريها الخيال المَانح لجمال الحِكْمة... في هذه الرحلة جاهدْت كي أشير الى المُتضاد والمُترادف , الشبيه والمختلف .. الذي يميز الحياة من حيثُ وجهة نظرنا إليها . صادقا كل الصّدق في سرد أحداث حَملتْ في ذوائبها رائحة إبحْار مرّ وعذْب حَنْظلٌ وعسَل ... يصفّق لها الخَافق فَرحا عند الوصول وينْثني تَعتصره مَواجيد أوجَاع الوداع المُوجِع للخيال والقلب .
(10)
• هل تعتقد أنّ كتابة الرحلة بكل تلك الحميميّة إنّما هي تصفية حساب مع الذاكرة العاطفية والمعرفية؟
يمكن أن يكون الأمر كذلك لما في الرّحلة من سرديات وعناوين ثريةٍ ترفد السّاحة الثقافية والعامة في عمومها والتي تريد ترتيب علاقات الذوات البشرية ببَعضها البعْض بأكثر ألفة وشعريّة أمّا في ما يعْنيني كذاتٍ كاتبةٍ إنّما هو مبحث العلاقة الإشكالية بين «الأنا» التعريفية والمحيط الكوني...
(11)
• ثمة في « بحر أزرق ...قمر أبيض» قلق من الرتابة هل الكتابة لتأثيث العُزلة من عنف العالم؟
في نظرة متفحّصة متمعّنة إلى رتابة الحياة اليوميّة نجد المرء باحثا عن الهدوء كما تبحث الفراشات عن الأزهار الضّياء، فما بالك لو كان هذا المرء حامل الوجع العربيّ القطريّ الذّاتيّ في الكون الذي كثر فيه الظّلام وشحّ من منابعه الحبّ. ألوذ بعزلتي عن عنف العالم كي لا أكتسب ما أكره، وعلّي أن أعطي ما أحبّ من جمال على أقلّ تقدير في قدسيّة ما أكتب. أو على أقلّ تقدير في صدق ما أكتب.
(12)
• الأدب «الصّادق»، هل هو بالضّرورة الأدب الجميل؟
مفردة الصّادق تعتمد على مَعايير ومفاهيم وإرث وثقافة الآخر. ولكن حين يعْقد الكاتب عقدا ذاتيّا مع ما يريد أن يبعث به إلى العالم عبر مخطوطاته يجب أن يكون صادقا صدوقا حتّى لو عبر الحقيقة في الخيال ونحّى صدق ما يرى وأعطى كذب أفكاره. على بساطة ما يدفع الكاتب إلى الكتابة نجد هناك صراعا جمّا بين ما يقوم به في حياته اليوميّة وما يختلي به مع الورق في عزلته. ومن هذا المنطلق نجد أنّ جماليّة الأدب في نرجسيّة الأديب لحظة الانتهاء من الكتابة.
(13)
• ألا يتقدّم الكاتب نحو الورقة البيضاء بأقنعة مُلوّنة؟
ومن قال إنّ الأقنعة كاذبة؟
(14)
• في « بحر أزرق ، قمر أبيض» استحضار كثير «للآهات» و»القدر»، فهل يمكن للكاتب أن يكتب لحظة انفعال شديدة؟
الآه هي القوّة التي تأتي مُنْدَفِعَة من المَحُسوس به, بعد نوبة غيبوبة. للخروج أمام هذه المادّة الكونيّة
لنرى الدّنيا خيالا ليس إلاّ. أمّا «القَدَر» فهو المصطلح الدّال على طرائق تَمثيل هذه القوّة والذي يسعى من خلال التّشاكل والتّفاضل بين الرّفض والقَبول إلى إثارة فضول الإنسان لمواصلة الحياة.
(15)
• إن كنت قد فهمتُ الإجابة، فإنّك تعتبر أنّ العالم الماثل أمامك بلا «معنى»، وأنت الوحيد المسؤول، باعتبارك كاتبا / روائيّا / شاعرا، لتعطيه معنى.
هذا لو سلّمنا بأنّ مفهوم السّؤال يتمحور حول علاقة الإنسان بالأشياء لتكون ذاتيّته تُدرك فقط حجم ما ترى وما تسمَع وما تُبقي وما تُحرق، هو الواقع الوحيد _ مرة أخرى _ لعلمنا أنّ فنون الرّفض كون أنّ الواقع الذي أمام البَصَر هو الحقيقة ولا شيء سواه. وهذا ما يدفعني ومن معي إلى البحث عمّا وراء الحقيقة. بمعنى أنّ الاكتفاء بالظّاهر والمظهريّ فقط إنّما هو تسطيح وتتفيه لحقيقة الأشياء وحّتى الأهواء باختزالها في بعد واحد... وهو ما يفسّر إلى حدّ ما السّطحيّة المعمّمة في العالم حول الذّات وحول الآخر وحول المُمْكن.
(16)
• من إجابتك نخلص إلى أنّه ثمّة نزعة نقديّة مصاغة بطريقة جماليّة لا تخلو من رومنسيّة في « بحر أزرق.. قمر أبيض « نقد لما يمكن تسميته بالنّزعة الدّاروينيّة المعمّمة في العالم، والمُتمثّلة في «الصّراع من أجل البقاء». البقاء للأقوى / للأدْهى / للأكْذب / للأعْهر. هل لك أن تحدّثني عن المُنعطفات السّرديّة في الرّحلة الأكثر وجعا وإيلاما لذاتك؟
لا بدّ لي وأنا أجيب من أن أرْتكِز على وجَعيْن حقيقيين، الأوّل الحُبّ . آه الحب . الحب آه .وهو من المقوّمات الأساسيّة في ذاتيّتي الخَاصّة عند الكتابة، والثّاني مشافهة البُكاء . آه البكاء . البكاء آه .. على أقلّ تقدير لتقييد مَنابعه التي تكاثَرت في أيّامها الأخِيرة علينا. إنّني أشعر في خواتيم الأمور القادِمة هناك كما ورد في النصّ، مقطع بلاغيّ يصف الإنسان بالبَلاَهَة إن لم يُمسك اللّحظة ويتمتّع بكلّ مفرداتها . في منعطف من منعطفات « بحر أزرق.. قمر أبيض « السّرديّة تمّ العبور من مستوى الواقع القديم الموسوم بكلّ أوامره ونواهيه الانْضباطيّة الصّارمة إلى المستوى المباغت بانبساطه ومرونة انفتاحه على الآخر بجماليّة رهيفة شفّافة ... ولم يكن هذا العبور بالأمْر الهيّن بقدر ما كان له عليهِ من وجَعٍ موجع ذبّاحٍ ما زال لم يشْف منْه بعد. فالحبّ والصّدق واحترام القانون والمكاشفة والمصارحة، كلّ هذه المسمّيات تجدها تتحوّل إلى أفعال تكون فيها من حيث تشْعُر أو لا تشْعر الفاعل والمفعول به في آن. خاتمة الأشياء هناك، عند الأراضي التي وطأتها أقدام « سي « كانت تَخْتلف في أحاسيسها وهي متوقّعة أحيانا ومختلفة أخرى وفق معايير كُتب لها التميّز في صوت الرّاوي العليم بمدونات المسرات والأوجاع مع صوت الشّخصيّة المعشوقة «روسْتاريتا».
(17)
• إذا كانت تيمة الحبّ هي التّيمة الأثيرة إلى قلمك، فلماذا جعلت العاشق، وإن كان كائنا سرديّا، سجين هذه المرأة البوذيّة وهو المُسلم المُقدم من جهة الإرث على احتمال التّكثير الأنثويّ؟
هذا لو عرّفنا الحبّ هو الكائن الوحيد إذا كبُر مَلَك،
فما بالك بشخص عشعش الحبّ في رأسه قبل قلبه.
(18)
• يبدو أنّ ثمّة تماه بين إخلاص «سي» لحبيبته البوذيّة «ريتا» وإخلاصها الشّخصيّ له حينما كذَبتْ عليه فأربكته للحدّ الذي فقد مَعه «وزنه واتّزانه» وفق عبارة لإحلام مستغانمي ، إذ تقول السيّدة البوذيّة مخاطبة حبيبها البحّار: «عزيزي سي»، لم أكذب عليك بوفاة زوجي، اختلقت عذر بقائه حيّا خوفا عليك من اندفاع الشّباب فيك، فأنا ما زلت على كلمتي الصّادقة معك: أرملة بوذيّة كما تعرف، وأنت شابّ صغير مسلم. عزيزي، تقبّل كذبتي لأنّي أحبّك». (ص. 77 ) فهل يحدث للعاشق أن يكذب؟ هل حدث لك أن كذبت، شخصا ونصّا؟
لتنظيم الحياة نحتاج الكذبة البيضاء. ولكن كذبت في لسان حال ريتا فقط لخضوع البطل «سي» إلى اختبار الحبّ الحقيقيّ حين يتعرّض إلى غيوم المفاجآت.
(19)
• لماذ لم تجعله ينتحر مثلا لتزيد في حَجم مدّونة «تزيين الاسْواق بأخْبار مَصارعِ العُشاق» العربية؟
جاء تعديل مسار طموح وأحلام البطل سريعا ومباغتا عبر رسالة نصيّة من الحبيبة. ثمّ لو استحضرنا حياته السّابقة لوجدناه إنسانا قد تمرّس بالآفات العاطفيّة وتجلّد رغم صغر سنّه، وهو الذي صُفع من أجل الحُبّ الأوّل وهو الذي صُدّ في الثّاني وجُرح في الغَرام مِرارا.
(20)
• في المدن التي مرّ بها البحّار ثمّة تمجيد للمكان، إذ تصفها جميعها بكونها جنّة وتستحضر تاريخ بعضها كما استحضار الاستعمار الأنجليزي والهولندي لأندونيسيا، مع تركيزك على الإشادة بجماليّة الحياة في هذه المدن «رغم أنّ أهلها مختلفين في الأديان والمعتقدات متحابّين يعملون يدا واحدة لا تشوبهم شائبة الاختلاف الاثني أو الطّائفيّ...» (ص. 108 ) فهل في هذه الإشادة بجمال الجغرافيا وتسامح النّاس إدانة صريحة لمجتمعات الانفجار الاثني والعقائديّ؟
ومن يحمل في رأسه عقلا لا يُدين الانْفجار الاثني والعقائديّ المُتفشّي في هذا الزّمان؟ أمّا عن جماليّة أندونيسيا الآسويّة فهو واقع ولكن كان مُدهشا بالنّسبة إلى شابّ يعيش في وطن لا يحترم الشّجرة.
(21)
• كثيرا ما تمجّد بصيغ مختلفة كيفيّة الوصول إلى الهَدف على بلوغ الهدف ذاته.
قصديّتي واضحة في ما أصدّق «حساب الأمل الخاطئ خير من اليأس الصّحيح».
(22)
• تنهي كتاب «رحلة بحرك الأزرق وقمرك الأبيض» بثلاثة أسئلة: «لا أعرف لمن في قادم الأيّام سأشير.» كسؤال رئيس، ألعينيّ اللتان ستحومان حول بحر ريتا في حملها؟
أم لقلبي الذي سيمدّ يديه شوقا إلى أهلي؟
لتجيب حاسما أمرك: « لا يهمّ.. لا يهمّ. سأترك هذا إلى قادم الأيّام.» المهمّ أنّك وصلت إلى أرض دوماي. فهل يحدث حقّا للقلب أن يحسم شأنه العاطفيّ مرّة واحدة وإلى الأبد؟
لهذه الأسئلة وأخرى من داخل الرّحلة هناك أجوبة ستكون في جزئها الثّاني. أمّا أمر الحسم في الشّأن العاطفيّ فهذا مختلف عليه بقدر ما سيتّضح مرّة أخرى في قادم الأيّام.
(23)
_الآن فهمت _ ربما _ ربّما قولك حين تلعثم عاطفيّ، وأنت تحاول تحديد معالم هويّتك التي تسعى لنفيها: « ما أنا إلاّ سِرْبٌ من الأمْنيات تحطّ على الأرض، لا تطير. سرمديّ الاخفاق في عالم المعجزات.» ( ص. 19 ). ودّعْت صَاحبي العِراقي حسن البحّار العِراقي الحُر قبل أنْ أودّع الشّاعر والروائي الحبيب لطفي الشابي الذي أعَانني على كتابة الحوار وفي ذهني عِبارة للعظيم الفرنسي شارل بودلار من رائعة « زهور الألم « :» أيها الرّجل الحُر لسَوفَ تعْشق البَحْر دائِمَا... « وأضفتُ عِبارة الحبّ. سلام / سلاما يا أهل الحبر الحر هنا وهناك في العراق .