من القمامة والمهملات لخلق تفاصيل حياة جديدة سكنت المركز الثقافي الجبلي بسمامة بعد أن أطردت الكورونا اللعينة جمهوره ورواده وألغت مهرجاناته وأعياده ...بكثير من الذوق وبمنتهى الفنّ، نفخت هذه الفنانة العصامية في مواد لم تعد صالحة للاستعمال روحا آنست عزلة الجبل وسكنت زواياه وجمّلت واجهته ...
«فزاعات وحكايات» عنوان المشروع الفني لزينب الهلالي بدعم من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني الذي أعاد تحديد مفهوم «الفزاعة» وما تحمله من دلالة ووظيفة في المخيال الشعبي. فلم تكن فزاعات زينب الهلالي شبيهة بتلك الدمى التي يُلبسها الفلاحون بقايا الثياب والقماش لإخافة الطيور ومنعها من الحطّ على أرضهم والتقاط ما تصل إليه مناقيرها من محصـــولهم الزراعـــي، بل جــاءت هذه الفزاعات نابضـة بطاقات الفرح والألوان والحياة وفي وضـع حيوية وحركية لا في حالة جمود وسكون.
بعيدا عن شكل الفزاعات التي تضطلع بوظيفة حارس مجاني للأرض والتي يحيل جذرها اللغوي إلى الفزع والخوف، كانت إبداعات زينب الهلالي مرادفا للخلق والإبداع وتجسيدا لفلسفة الجمال العفوي والبسيط الملتحم بالطبيعة والقريب من بيئة الجبل طالما أن الفن كما الأدب ابن بيئته أو لا يكون !
لقد أنصف مشروع «فزاعات وحكايات» ثقافة الفزاعة رموزا ودلالات وهي التي اقترنت بنمط حياة الفلاحين لا في تونس فحسب بل في العالم بأسره. وإلى حدّ اليوم تقيم دول أوروبية على غرار فرنسا وبلجيكيا مهرجانات تحتفي بهذه الفزاعة حامية الأرض ودمية الحقول ورفيقة المزارعين... وتنظم مسابقات لتتويج الفزاعة الأجمل والأبهى.
لأن الفزاعة ليست صورة سحطية أو مجرد تسلية أومتعة، اعتنى الأدب العربي والعالمي بهذا الرمز على غرار رواية «الفزاعة» للكاتب الليبي الشهير إبراهيم الكوني ... كما ألهمت رمزية الفزاعة الفن السابع ، فكان أن فاز فلم «الفزاعة» الأمريكي بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي.
هي فزاعات وعرائس ترقص وتغنّي وتعزف لحن الحياة وتحرس الجبل ... ألبستها الفنانة المبدعة إيحاءات ودلالات وأنطقتها بروايات وحكايات تطرب الحواس وتدغدغ الإحساس... فهل من أذن ترهف السمع وعين تحسن النظر؟