(1)
«لاَ تنجزع منْ جُرْحِكَ.. وإلاّ فَكيَفَ للنّور أنْ يتسلّلَ إلى باطِنِك»
أيها العزيز... الغالي... السيّد الشّاعِر التّونسي الشّاب , التونسي تمامًا , وليد الزّريـبـي «المزارع الأنيق» كما يـَحْلو لي أن أشَاكِسك فأشَاغيك عنْ قُرْبٍ وعنْ بـُعـْد حينَ يـَكُون المزاجُ منْكَ ومِــنّي شَائقًا رائقا , أو حين نُــريد أن نعْبثَ سويا بالتّركيبَة الكيميائيّة لكيمياء الحُزن فنَجْتـرِحُ الفَرَحَ في تونس بوصْلة القلب أوّلاً وآخرا وإن هي القلوب منّا داميّة والعُيون دامِعة ,, تحيّة أيها العَزيز... تحيّة تَليق باُلْقامَةِ والمقَام والسَلامُ... السّلام الأكيد منْ قلبي الموْجوع حين هذا الحين التّونسي عَليْك.
وبعد:
«لاَ تنجزع منْ جُرْحِكَ.. وإلاّ فَكيَفَ للنّور أنْ يتسلّلَ إلى باطِنِك» أيها العزيز.
وأنا تَطوفُ بي الطّيور الكَواسر التي َ لهواجسي آخر آخر الليّل في كلّ اُلْصّحارى والمفَاوِزِ فأعْطَش
و أعْطش عاطفيّا وتمسّني الرّمْضَاء لأنّي لم أعْمل كما لم تعمل أنت يا «وليد» يا «نقّار الخَشَب» كما تُسمّيك في واحدة من أجمل قصائدك, لم تَعمل أيها الفتى «السِّلياني» بوصيّة صديقنا اُلْسيّد الشّاعر ـمظفر النّواب و«لم أتزوّد بالماءِ لصَحْراء الرّبْع الخالي», هِواجس تُونسي مُنْعزل بنَفسِه مُتفرّد بأوْجَاعِه بعيدا عن «اُلأصْدقاء» الذين مازلتُ أصدّق صداقتهم رغم متواليات الخيْباتِ و الجُروح والجِراحات, أزاول حياتي بعيدا عن «الكل» والأهْل لاَ لزُهْدٍ فيهم وإنـّما هو اُلْوفاء مني- ربما - لغَريزة الطّيور و الفيّلة في إخْفاء أوْجَاعها تأهّبا ربما لرِحْلة اُلْرّحيل الطّويل وقدْ فعَلها ورَحَلَ من رحل من الذين أمْضينا مُعظم أعْوام العُمر الأحْرف في الوطن معهم . وانْ كان قلبي وخيالي ومُـخيّلتي وخلايا وجِداني لا تصدّق رحيلهم أبدا اذ هم يعيشون معي يبادلونني النّكات الحمراء والخَضْراء والصّفراء والبَنفسجيّة
والسّوداء والشّتائـِم أيضا الممزوجة بالوِدّ واُلْـمَكْر واُلْوَرْدِ ... أنا لم أصدّق رحيلَ «محمد» مثلا ولا حتىّ مَرضه أصْلا وأسمعه في مَنامي نعم أسمعه وقد توغّل في البيد بصوته ذاك يتلو علي ّ قصيد «الصّحراء» الذي أهْدانيه أو «دستور الفقراء» في «مقهى الزنوج» ومشروع روايته الضائع «ليس في البيت قهوة»... و«ليس لي مشكلة» ويوصيني على طريقته الفكهة المازحَة طريقة «أبي دُلامة» الشّاعر قُبيل سفرةٍ له لفرنسا يوصيني بأن لا أضَع اسْمي على غلاف «كتابه» تفاصيل «الذي قمتُ أنا بتقديمه لئلا يُغطّي اسمي على اسمه حسب رأيه وحين امتثلتُ لتَوصيته غَضب منيّ .. وقال لي «كنتُ أمْزحُ, ألاَ تفهم... فاهٍـمْ ... فاهِـمْ» ... آه يا « وليد» أنا لا أصدّق موت الكتاب والشّعراء وأهل محنة الإبداع وإنما أعتقد في تغيير شكل إقامتهم في الوجود ... لذلك أنا لا أحبّ «المستشفيات» ولا الجبّانات ولا أحب عبارة: «الشاعر مات» أو «الشاعر دَفناه»... فهي عِبارات تعْتصر قلبي اعْتصارا يكاد يذْهبُ بشِغَافِه ويمزّقُ نـِـياطَه أنا لا أقوم «بطقوس الحداد» ولذلك أنا كما أنتْ تماما تَعْبانُ و أتْعَب. لقد أتعَبتني رسالتك يا صاحبي فبتّ أتقلّب «تقلّبَ الحَبّةِ
على اُلْـمِقْلاَة» كما كانت تقول عمتك «رابعة العدويّة» الرائعة بتجربتها «اللّحمية» عِشقا آدميا كما في تجربتها الروحية صُوفيا , وكيفَ تريدني ألاّ أحزن ولا أتعب . ولك معي سوابق في الفجيعة حين أرْسلت لي رسالة موجعة - ذات ليل من ذات سنة - تعلمني فيها قرارك بالانتحار في وقت كنت شخصيا في الجنوب ولم أجدْ أي حلّ غير المسارعة بشر نصّ الرسالة الموجوعة والموجعة على « الفايسبوك » طالبا النجدة من « الصديقات » و« الأصدقاء » لأني أعرف عن تجربة أنّه ما من مُنتحر يُـقْدم على الإنتحار قبل أن يبعث برسائل ورسائل واضحة أو مُشفّرة مُتعددة ليس بالضرورة رسائل مكتوبة لكل الاهل والأصدقاء والمعارف بما في ذلك المعلمين والأساتذة اذا تعلّق الأمْر بالتلاميذ مثلا والطلبة.. لقد كان الشاعر الصديق العزير صلاح الدين ساسي اطلعني قبل أشهر من رحيله بإرادته على نص وصيته قبل أن ينتحر ولم أخذ الأمر بالجد الكافي . كيف تريدني أن لا أقلق وأغتم وأحزن.
(2)
«عزيزي سليم. أنا أتحسّنُ ببطيءٍ ومُشْتاق
وقلبي صارَ صغيرا على اُلــرّبح
لكني مصمم على أن استمر وان أسير في الشوارع
وان أحضن الناس
التي أحب
صَدْري مَثقــوب باُلْعِناقِ
وبالسّهام
ورُوحي صَارَتْ بعيدةْ
بعيدة على مَسافة سَريــرٍ
وأنا وحيدٌ
ولستُ وحْدي
ولست حزينا
ولسْتُ سعيدا
لكنْ بي أمَلٌ لاَ يُطاق
ولي أوْجاع لا تَـرْصدها صوّر اُلْأشعّة وفِطنَةُ
اُللأطبّاء
هناك ممرضة جميلة . كما في الأفلام والرّوايات. لم تكن موجودة في قصّتي هذه
يا شقيق الورد
هلْ تَضيعُ الأرَواح عنْ أجْسِادِها
هلْ تنْفصل أم تتّصلُ
بما نَعْرف وبما لا نَعْرِفُ
افْتقِدُك تـَمـامًا
تماما»
(3)
آه كم كان عليك أيها «الشّاعر الكَاميكازي», أيها «الفَتى السّلياني» أنْ تـَحْتالَ لنَفْسكَ من «رشّ أسْلِحَة الايام».
(4)
ان ما يُدْمي القلب - يا صاحبي العزيز الغالي - ويهدّ الذات , ذاتي الشّخصية انما هو الشعور بالغبن الذي يلحق عموم المواطنين في بلادي على مستوى تبذير رأسمالنا الصّحي العام ويذهب حزني أكثر فأكثر لتجاهل الدولة التونسية غالبا للوضع الصّحي واُلإجتماعي للكتاب والأدباء والفنانين والصحافيين الأحرار وهم رأسمالنا الحضاري الأكيد خاصة اذا تعلق الأمر باللذين «لا يلعقون الأحْذية» وإن هم على علم بما كان قد علم ابن خلدون منذ قرون وقرون بأن «النّجاح والسّعادة الى جانب أهل الخضوع والتملق». هل سوف تختل
موازين الدولة التونسية حين يتم اعتمادك رسميا في ذلك «المرفق العمومي» الذي اسمه التلفزة ..؟ أليس تفكيرك حين محنتك في مرضك هذا, هذه الأيام بأن «تهج» من بلادك تونس هو التسمية الأخرى للإنتحار.
هذا الشعور نفسه عينه اياه كان قد جعل «ملتون» صاحب رائعة «الجنة الضائعة» يصرح «وطننا أين نكون في أحسن حال»... غير أنه يبدو أن ليس «لللصوص» من وطن ... أي وطن كان غير المال. وقديما كما ورد في الاوارق القديمة عن أبي الحسنين قوله: «الفقر في الوطن غربة والمال في الغربة وطن».
(5)
«لاَ تنجزع منْ جُرْحِكَ.. وإلاّ فَكيَفَ للنّور أنْ يتسلّلَ إلى باطِنِك» أيها العزيز.
أخسر أخْسَر الخَسارات أنْ نـخْسَر كُلّ خَسَارتنا
قبل اتصالي برسالتك أيها السيد الشّاعر الشاب صاحب « ليه يا بنفسج» كنت أتصفّح بعض ما جاد به «جبريل الرقمي» كما يحلو لي أن اسميه أيضا وأيضا «ملاك الوحي الأزرق» واذا بي أقع على الحكاية التالية وهي حكاية مفيدة تختزل واقع الحال والأحوال، ما الحكاية .؟
صرح لص البنك موجها كلامه الى الموجودين في البنك قائلا :
« لا تتركوا المال ملكا للدولة وحياتكم ملك لكم »
انبطح الجميع أرضا بكل هدوء وهذا ما يسمى :
«مفهوم تغيير التفكير»
تغيير الطريقة التقليدية في التفكير وعندما عاد اللصوص الى مقر اقامتهم قال اللص الاصغر والذي يحمل شهادة ادارة أعمال لزعيم اللصوص ذي المستوى الإبتدائي: دعنا نحصى الأموال التى سرقناها .
فقال له: أنت غبي جدا هذه كمية كبيرة من الاموال وسوف تأخذ منا وقتا طويلا لعدّها.الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الاموال.
وهذا ما يسمى «الخبرة «. وبعد أن غادر اللّصوص البنْك قال مدير البنك لمدير الفرع : اتّصل بالشُّرطة بسرعة ولكن مدير الفرع قال له دْعنا نأخذ 10 ملايين ونحتفظ بها لأنفسنا ونُظيفها الى70 مليون التي قمنا باختلاسها سابقا وهذا ما يسمى «السباحة مع التيار».
قال مدير الفرع: سيكون الامر رائعا أن ثمة سرقة كل شهر وهذا ما يسمى «قتل الملل» وفي اليوم التالي ذكرت وكالات الأخبار أن 100 مليون تمت سرقتها من البنك . في حين ان اللصوص سرقوا 20 فقط وهذا ما يسمى «المعرفة تساوي قيمتها ذَهبا».
كان مدير البنك سعيدا لأن الخسارة تمتْ تغْطيتها بهذه السرّقة وهذا ما يسمى « اقتناص الفرص» فاللصوص الحقيقيون غالبا : الوزراء والوكلاء والمدراء الرؤساء العامين (الرّمْعوات) والمدراء الماليين».
(6)
هل أعجبتك الواقعة السردية ايها السيد الشاعر التونسي الشاب . مع ذلك اني على يقين» أنه ثمة فرج بعد الشدّة» لأنه مازال في وطنك أحرار وحرائرفي المرافق العمومية الوطنية وسائر الإدارات.
دمتَ تونسيا حرا شخصا ونصّا . أنا معك. أنا «لا أخْلع صاحبي» وأنت تَعْرف. اذن «لاَ تنجزع منْ جُرْحِكَ.. وإلاّ فَكيَفَ للنّور أنْ يتسلّلَ إلى باطِنِك» أيها العزيز كما كان يقول مولانا جلال الدين الرومي: أخسر الخسارات أن نخسر خَسارتنا يا صاحبي.