ليقف الجميع على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب، وليتعلم القادة والزعماء أخلاق القيادة في الإسلام، ومِن ذلك:
• القيمة الأولى: مشاركة القائد جنوده:
عندما يشارك القائد جنوده يتغير الحال تمامًا، فيدفع الجنود إلى مضاعفة الجهد، ويحفزهم للبلاء الحسَن في الحرب قبل السلم، وهذه صفات القائد الصالح في كل عصر ومصرٍ، وبرزت تلك الأخلاق من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جاء عن ابن مسعودٍ قال: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثةٍ على بعيرٍ، وكان أبو لبابة وعليٌّ زميلَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا كانت عُقْبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشي عنك، فيقول: «ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما».
• القيمة الثانية: تقدير رأي الجنود:
اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعركة بدر مكانًا نزل عنده، ثم كان لأحد الصحابة - وهو الحباب بن المنذر - رأيٌ غيرُ الذي اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدر رأيه واحترم وجهة نظره، تروي كتب السير أنه صلى الله عليه وسلم: لما خرج يبادر المشركين إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماءٍ من بدرٍ نزل به، قال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه مِن القُلُبِ، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرتَ بالرأي»، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماءٍ من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُبِ فغُوِّرت، وبنى حوضًا على القَليب الذي نزل عليه فمُلئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية».
فمِن كمال القيادة، وتمام الريادة: أن يأخذ القائد برأي الجندي، إن كان صاحب خبرة، وذا رأي، وألا يحقر آراء الجنود؛ فقد يأتي الخير من الغير.
• القيمة الثالثة: العدل بين القائد وجنوده:
إن القائد الصالح، والمدير الناجح، هو الذي لا يرى نفسَه فوق الناس، فيظلم هذا، أو يجور على فلان، وإنما يعدل، وإن كان الحق عليه؛ فأبو بكر رضي الله عنه أول ما تولى الخلافة، نادى في الناس: إني وليت عليكم، ولست بخيركم، ولا شك فإن أبا بكر تعلَّم مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موقف له صلى الله عليه وسلم في العدل بينه وبين جنوده، يضرب به المثل؛ فقد ورد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدرٍ، وفي يده قِدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بني عدي بن النجار، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: «استوِ يا سواد»، فقال: يا رسول الله، أوجعتَني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقِدْني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: «استقِدْ» قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد»؟ قال: يا رسول الله، حضَر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير».
• القيمة الرابعة: احترام الأسرى وإكرامُهم:
لما أكرم الله المسلمين بالنصر في معركة بدر، وأصابوا من المشركين سبعين أسيرًا، وقتلوا منهم سبعين رجلًا، تأتي قيمة جمالية أخرى من القيم النبوية في الحروب، وهي تكريم الأسير، والإحسان إليه، والتوصية به، قال ابن إسحاق: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى، فرَّقهم بين أصحابه، وقال: «استوصوا بالأسارى خيرًا»...وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشمٍ، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى... فقال أبو عزيزٍ: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجلٌ من الأنصار يأسرني، فقال: شُدَّ يديك به؛ فإن أمَه ذات متاعٍ؛ لعلها تفديه منك، قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدرٍ، فكانوا إذا قدموا غَداءهم وعَشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجلٍ منهم كسرة خبزٍ إلا نفحني بها، قال: فأستحيي فأردها على أحدهم، فيردها عليَّ ما يمسها»، وهذا الموقف يذكرنا بقول الله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» الإنسان: 8.
صدَق مَن قال:شهِد الأنامُ بفضلِه حتَّى العِدَا والحقُّ ما شهِدَتْ به الأعداءُ