الاستماع إلى المدوّنة آمنة الشرقي بسبب «سورة كورونا»: تنديد بخرق مبدإ حريّة الضمير والتعبير

لئن كان الدستور التونسي هو الضامن لحرية الرأي والتعبير، والحامي أيضا لحرية المعتقد والضمير وهو الذي ينصّ في فصله السادس

على أنّ «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي»، فإنّ هذه الحريات التي يمنحها ويرعاها «أب القوانين» كان محلّ تذكير واختبار في قضية المدوّنة آمنة الشرقي التّي تمّ استدعاؤها للتحقيق والمحاكمة بسبب مشاركتها لـ«سورة الكورونا» على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك».

على خلفية مشاركتها لنص ساخر، تلقّت المدوّنة آمنة الشرقي استدعاء من إدارة الشرطة العدلية بتاريخ 4 ماي 2020 وعرضت على الاستماع ،أمس، من قبل النيابة العمومية. وهو ما أثار احتجاج شخصيات حقوقية وثقافية واعتراض منظمات المجتمع المدني على محاكمة حريات التعبير والتفكير والضمير...

منع حق الدفاع ومنع حضور المحامية للاستماع
بالرغم من أن المحاكاة الساخرة في «سورة كورونا» كانت مجرد تسلية لا ترتقي إلى قيمة الإعجاز اللغوي في القرآن ولا إلى فصاحة الشعر وقواعد نظم القصيدة، فإنّ المدوّنة آمنة الشرقي وجدت نفسها أمام مساءلة قانونية بسبب مجرد كلمات فاقدة إلى أية قيمة فنية أو معنوية حيث ورد في «سورة كورونا»من بين ما ورد ما يلي: «كوفيد والفيروس المبيد، بل عجبوا أن جاءهم من الصين البعيد، فقال الكافرون إنّه مرض عنيد...»

لم يكن استدعاء النيابة العمومية المأزق الوحيد الذي تواجهه آمنة الشرقي بسبب نشر مجرد صورة لمحتوى «سورة كورونا» بل هي في مرمى سهام الشتم والقذف والتهديد الواضح والصريح بالقتل. وفي هذا السياق كانت المدوّنة المذكورة قد أوضحت على صفحتها الرسمبة على موقع فيس بوك ما يلي: تصلني قائمة طويلة من التهديد بالقتل والذبح وهرسلة مع القدح والتشويه... من أجل مشاركة مجرد كلمات على سبيل الطرافة والمزاح. هذه السورة ليست من صنعي بل مجرد إعادة نشر حرّة لا تتناقض مع مبدإ حرية التعبير والرأي... أنا لم أدع إلى الموت أو القتل حتى يطالب البعض بقتلي ومحاكمتي...».
وفي تصريح إعلامي للمحامية إيناس الطرابلسي لسان الدفاع عن المدوّنة آمنة الشرقي، يوم أمس، على موجات راديو «إي أف أم» أفادت بالقول:»تم منعنا من الحضور خلال الاستماع أمام النيابة، وتمّ منعنا من حق الدفاع أمام النيابة العمومية وتم انتهاك حق المحاكمة العادلة ولا نعلم ما الذي حدث خلال المحاكمة وأعلمتني منوبتي أنه تمّ استجوابها من قبل 7 من ممثلي النيابة العمومية.

محاكاة الشكل القرآني شائعة ولا داعي للمساءلة
في قضيّة آمنة الشرقي، كان للباحث وأستاذ التاريخ العربي المعاصر عادل اللطيفي موقف وتعليق، إذ كتب على صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي ما يلي : «حول قضية «سورة كورونا» أرى أن صاحبة هذا العمل (أو من كتبها) لم تقم بشيء يستحق المساءلة وخاصة من طرف الشرطة...هي حاكت الشكل القرآني لا أكثر، وهذا شائع، دون أية علاقة بالمضمون، رغم أن قلب مضمون بعض الآيات معروف في الأدب العربي. كل المشكل في أن (حزبا أو فكرا) يريد مؤسسة الإسلام وتنصيب نفسه وصيّا عليه وحتى على الله وكلامه وذلك بجهل واضح للتراث الإسلامي وتاريخه. لقد تحدّث علماء الإسلام حتى فيما ورد من القرآن على لسان البشر قبل أن يصبح وحيا.هذا ما يتحفنا به جلال الدين السيوطي مثلا في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» (وفي مصادر أخرى) في رواية عن الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه قال ابن عمر: وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر. وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال : كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. وأخرج البخاري وغيره عن انس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )، وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك».

وفي الختام تساءل الكاتب والأكاديمي عادل اللطيفي: «لست أدري هل أنّ لشرطتنا ولقضاتنا من الزاد المعرفي بالتراث كي تقيم هذا أو ذاك...القاعدة تبقى فقط حرية التفكير والضمير والتعبير؟».

المجتمع المدني: نرفض محاكم التّفتيش !
أثارت قضيّة آمنة الشرقي اهتمام المجتمع المدني والإعلان عن مساندته لحرية الرأي والتعبير على غرار المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة الذي أصدر بيان تنديد جاء فيه ما يلي:»إثر نشرها لنصّ من وحي الخيال على صفحتها في موقع للتواصل الاجتماعي منقول عن صديقة افتراضية جزائريّة، اتّصلت المواطنة التونسية آمنة الشرقي بوابل من رسائل التهديد بالقتل علاوة عن الثلب والشتم بشتى العبارات النابية. وبقطع النظر عن محتوى النص الخيالي، فإن الكتابة الأدبية أو الدينية تبقى ممارسة لحرية الرأي والتعبير والمُعتقد التي يضمنها الدستور. وأما التهديد بالقتل فهو جناية يُعاقب عليها القانون.وعوضا عن أن يتمّ تتبّع المهدّدين بالقتل، ها إنّ هذه المواطنة تُحال على النيابة بتهمة الإساءة للمقدسات والتحريض على العنف.»

وأضاف البيان الذي جاء ممضى باسم رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة منير الشرفي: «أمام هذا الوضع، يُعبّر المرصد عن استغرابه الشديد من إيلاء كل هذه الأهميّة لذلك النصّ، وعن مجرى القضيّة التي اتّجهت نحو المواطنة التي تعيش تحت وطأة التهديد بالقتل، بتهمة «التحريض على العنف»، بدل التوجّه نحو المحرّضين على العنف والمُهدّدين بالقتل.كما يُؤكّد المرصد على وجوب احترام حريّة التعبير والمُعتقد كأساسٍ للدولة المدنيّة وعلى وجوب التصدّي، عبر الآليّات القانونيّة المُتاحة، لكافة مظاهر العنف والشتم والتهديد.»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115