ودخل القيروان مع أبيه ولمّا يتجاوز من العمر سنتين. روى المالكي في رياض النفوس أن أسد بن الفرات قال عن مجيئه إلى تونس «دخلت مع أبي القيروان في جيش ابن الأشعث فأقمنا بها خمس سنين، ثم رحلنا إلى تونس فأقمت بها نحو تسع سنين، فلمّا بلغت ثماني عشرة سنة علّمْت القرآنَ ببجردة» (الرياض، تحقيق بشير البكوش، مراجعة العروسي المطوي،دار الغرب الاسلامي ببيروت لبنان1403 هـ/1983م، ج1، ص 254 - 255). سمع من علي بن زياد الموطّأ. وتفقّه في علوم شتّى ثم ارتحل إلى المشرق. فلقي الامام مالكا. وواظب على دروسه. وسمع منه الموطأ. وحفّزه كَلَفُهُ بالعلم على الارتحال إلى العراق لمَا كان يسمعه من تمجيد للامام أبي حنيفة وإشادة بعلمه وفقهه وورعه. فلقي أصحاب أبي حنيفة : أبا يوسف ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو وأخذ عنهم علما غزيرا. ولمّا توفيّ الامام مالك بن أنس رحل إلى مصر. فلزم ابن القاسم أحد تلاميذ مالك ووضع بالتعويل على دروسه الأسدية. ثم رجع إلى القيروان ليدرّس الموطأ والأسدية معًا بعد أن جمع علميْ أهل المدينة وأهل العراق.
ولاّه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب (201هـ - 223هـ/815 - 837م) قضاء إفريقية سنة 203 هـ/817م. فقضى بين الناس بالعدل. واعتمد في أحكامه الكتاب والسنة. وأعمل العقل فيما لم يرد في شأنه نصّ. فذاع صيته. وأكبره الناس لعلمه وفقهه ونزاهة مواقفه. جاء في رياض النفوس ج 1، ص 263 أن أسدًا «كان يلتزم من أقوال أهل المدينة وأهل العراق ما ووافق الحقّ عنده. ويحقّ له ذلك لاستبحاره في العلوم وبحثه عنها وكثرة من لقي من العلماء والمحدثين». عيّنه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب سنة212 هـ/827م قائدا على الجيش الذي وجّهه إلى صقلية لفتحها دون أن يعزله من خطّة القضاء «فلم تجتمع الإمارة (المقصود بها قيادة الجيش باسم الأمير الأغلبي) والقضاء لأحد ببلد إفريقية إلاّ لأسد وحده» (رياض النفوس ج1، ص 271) ورغم قلة عدد جيش أسد - وهو عشرة آلاف فارس - مقارنة بجيش «بلاطة» ملك صقلية الذي كان يعدّ مائة ألف وزيادة. فقد كتب النصر للجيش القيرواني. وفتحت صقلية بعد معركة ضارية مات فيها خلق كثير من الطرفين. وسكنها المسلمون واستوطنوها. وكتب زيادة الله بن الأغلب بفتح صقلية على يدي أسد بن الفرات إلى المأمون خليفة المسلمين.
لا يقف الدارس على أدب لأسد. وإنّما جمعت له كتب التراجم حكما كثيرة وأقوالا مأثورة شبيهة في مواضعها وفي متانة لغتها وجزالة أسلوبها بحكم الزاهد شقران الهمذاني الضرير. توفيّ أسد و هو محاصر لسرقوسة سنة 213 هـ/828 م.